المملكة حاضنة لمؤسسات البنية التحتية الرئيسة للصيرفة الإسلامية تحديات التحول تتمثل في الجوانب الثقافية والتشغيلية والتنظيمية والبشرية يتزايد الطلب على المنتجات المالية المبتكرة والمستدامة التحدي الأساسي يكمن في تطوير شراكات استراتيجية فعالة بين البنوك الإسلامية والمؤسسات ذات العلاقة   أجرت صحيفة “البلاد” حوارا مع الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية د. عبدالإله بلعتيق، ووجهت له بعض الاستفسارات، وجاءت كالتالي: رصدنا في الأعوام القليلة الماضية تحولات للبنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، وهذا أدى بالمحصلة إلى ارتفاع عدد البنوك الإسلامية على حساب البنوك التقليدية في مملكة البحرين، ما الأسباب التي أدت إلى هذه التحولات برأيكم؟ شهدنا في السنوات الأخيرة تطورات إيجابية في القطاع المصرفي البحريني تمثلت في تحول بنوك تقليدية عدة إلى بنوك إسلامية، كما شهدنا عمليات اندماج واستحواذ ساهمت في تعزيز مكانة القطاع المصرفي الإسلامي، ونتيجة لهذه التطورات، أصبح أكبر بنك في البحرين اليوم هو بنك إسلامي، ما يعكس نجاح هذه الاستراتيجيات في تعزيز القطاع المصرفي الإسلامي. وعموما، هناك أسباب ودوافع عدة وراء هذه التحولات، لعل أهمها:   أولا: البيئة التنظيمية الداعمة: تتميز مملكة البحرين بإطار تنظيمي متطور وداعم للصيرفة الإسلامية، إذ تعد رائدة في وضع التشريعات والأنظمة الخاصة بالقطاع المصرفي الإسلامي، كما تمتلك المملكة بنية تحتية متكاملة تدعم نمو وتطور هذا القطاع. ثانيا: عوامل السوق والنمو: تشهد السوق البحرينية نموا متسارعا في أصول البنوك الإسلامية، مدفوعا بتزايد الطلب على المنتجات المتوافقة مع الشريعة. ويتزامن هذا مع توجه عالمي متزايد نحو الصيرفة الأخلاقية والمستدامة، ما يعزز جاذبية التحول نحو الصيرفة الإسلامية. ثالثا: تعزيز الأداء المالي: يساهم التحول نحو الصيرفة الإسلامية في تحسين الأداء المالي للبنوك عبر زيادة الأصول والودائع ورأس المال والدخل الصافي، كما يتيح هذا التحول فرصا لتنويع مصادر الدخل وتحسين الكفاءة التشغيلية للمؤسسات المالية. رابعا: توسيع قاعدة العملاء والشمول المالي: يفتح التحول نحو الصيرفة الإسلامية آفاقا جديدة لاستقطاب شرائح متنوعة من العملاء، خصوصا الذين يرغبون في التعامل مع منتجات متوافقة مع الشريعة، كما يسهم هذا التحول في تعزيز الشمول المالي عبر تقديم منتجات مبتكرة تلبي احتياجات مختلف فئات المجتمع. خامسا: التوجهات الاستراتيجية: قد يكون التحول جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى الاستفادة من فرص النمو في السوق الإقليمية للصيرفة الإسلامية، وتعزيز القدرة التنافسية، كما قد يكون مدفوعا بتغيرات في هيكل الملكية وتوجهات المساهمين، خصوصا عندما تستحوذ جهات إسلامية على حصص في البنوك التقليدية. هل تعزز هذه التحولات الأسباب التي من الممكن عبرها أن تكون البحرين مركزا ماليا إسلاميا؟ تُعد مملكة البحرين من الدول الرائدة عالميا في مختلف المؤشرات المتعلقة بتطور القطاع المالي، خصوصا القطاع المالي الإسلامي. وتعززت هذه المكانة مع موجة التحولات والاندماجات الأخيرة في القطاع المصرفي الإسلامي، ما أدى إلى تكوين مؤسسات مالية إسلامية أكثر قوة وقدرة على المنافسة إقليميا وعالميا. وتتميز البحرين بمقومات عديدة تؤهلها لتكون مركزا ماليا إسلاميا رائدا: البنية التحتية المؤسسية المتكاملة: تعد البحرين حاضنة لمؤسسات البنية التحتية الرئيسة للصيرفة الإسلامية، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية “أيوفي”، و “السوق المالية الإسلامية الدولية”، والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، فهذا التكامل المؤسسي يوفر دعما قويا لتطوير الصناعة المالية الإسلامية. الإطار التنظيمي المتطور: تتميز البحرين بتشريعات متقدمة في مجال الصيرفة الإسلامية، وإطار متطور للحوكمة الشرعية والشفافية. وعزز مصرف البحرين المركزي هذا الإطار عبر مبادرات مبتكرة مثل الصيرفة المفتوحة والمختبر التنظيمي (Regulatory Sandbox)، ما يوفر بيئة مثالية لابتكار وتطوير حلول التكنولوجيا المالية الإسلامية.  ريادة التكنولوجيا المالية الإسلامية: تتبوأ البحرين مكانة متقدمة في مجال التكنولوجيا المالية الإسلامية، إذ توفر بيئة تنظيمية مرنة تدعم الابتكار في هذا المجال، وأدى ذلك إلى جذب العديد من شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية التي تتخذ من البحرين مقرا لعملياتها الإقليمية، مستفيدة من البنية التحتية الرقمية المتطورة والإطار التنظيمي الداعم. مركز إقليمي للتوسع: تتخذ مجموعة مهمة من البنوك الإسلامية من البحرين مركزا لتوسيع أعمالها في المنطقة، مستفيدة من الموقع الاستراتيجي للمملكة وبنيتها التحتية المتطورة. وساهمت عمليات الاندماج الأخيرة في تعزيز قدرة هذه المؤسسات على التوسع الإقليمي وتقديم خدمات مصرفية إسلامية متطورة.  مركز للابتكار والتطوير: تلعب البحرين دورا محوريا في تطوير منتجات وخدمات مالية إسلامية مبتكرة، مدعومة ببيئة تنظيمية مرنة وبنية تحتية تقنية متقدمة، ويشمل ذلك تطوير حلول الدفع الرقمية الإسلامية، والخدمات المصرفية المفتوحة المتوافقة مع الشريعة، وغيرها من الابتكارات المالية. هذه المقومات مجتمعة تعزز مكانة البحرين كمركز مالي إسلامي رائد، قادر على قيادة تطور الصناعة المالية الإسلامية إقليميا وعالميا. وعلى الرغم من هذه المقومات والفرص الواعدة، فإن تعزيز مكانة البحرين كمركز عالمي للمالية الإسلامية يتطلب مزيدا من التعاون والتكامل بين مختلف الأطراف الفاعلة في المنظومة المالية الإسلامية، فالتحدي الأساسي اليوم يكمن في تطوير شراكات استراتيجية فعالة بين البنوك الإسلامية، ومؤسسات البنية التحتية، وشركات التكنولوجيا المالية، والجهات التنظيمية، والمؤسسات الأكاديمية، ويجب أن يتجاوز هذا التعاون المنافسة التقليدية نحو رؤية أشمل تهدف إلى ترسيخ مكانة البحرين كمركز للابتكار والتميز في الصناعة المالية الإسلامية على المستويين الإقليمي والعالمي. وإن تضافر الجهود وتكامل الأدوار سيسهم في تعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة وتعزيز القدرة التنافسية للقطاع المالي الإسلامي البحريني عموما. ما هي أبرز التحديات التي ستواجهها هذه البنوك خصوصا أنها تقدم الخدمات ذاتها محددة بإطار إسلامي؟ يواجه تحول البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية تحديات خاصة تتطلب معالجة دقيقة وشاملة، وتتنوع هذه التحديات بين الجوانب الثقافية والتشغيلية والتنظيمية والبشرية. أولا: تحديات التحول الثقافي والمؤسسي: يمثل تحويل الثقافة المؤسسية أحد أهم وأصعب التحديات التي تواجه البنوك التقليدية في تحولها نحو الصيرفة الإسلامية، فالأمر يتجاوز مجرد تغيير المنتجات والعمليات، إلى تحول جذري في طريقة التفكير والممارسات اليومية للموظفين على جميع المستويات. ويتطلب هذا التحول تغييرا في القناعات والسلوكيات المهنية، وفهما عميقا لفلسفة العمل المصرفي الإسلامي وأهدافه، كما يستلزم تطوير عقلية جديدة تركز على المشاركة في المخاطر بدلا من الإقراض التقليدي، وعلى تحقيق القيمة المضافة للاقتصاد الحقيقي بدلا من التركيز فقط على العائد المالي. ثانيا: التحديات التشغيلية والهيكلية: تمثل عملية تحويل المنتجات والخدمات المصرفية لتتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية تحديا رئيسا، فالأمر يتطلب إعادة هيكلة شاملة للعقود والاتفاقيات القائمة مع العملاء والأطراف المقابلة، إضافة إلى تطوير أنظمة تقنية المعلومات لتتناسب مع طبيعة المعاملات المصرفية الإسلامية، كما يستلزم تكييفا جوهريا لإجراءات العمل وأدلة السياسات بما يتوافق مع متطلبات العمل المصرفي الإسلامي. ثالثا: تحديات الموارد البشرية والتدريب: يشكل تأهيل الموارد البشرية تحديا استراتيجيا للبنوك المتحولة، فالانتقال إلى الصيرفة الإسلامية يتطلب برامج تدريبية مكثفة لتمكين الموظفين من فهم أساسيات المعاملات المصرفية الإسلامية، وتطوير قدراتهم في مجال المنتجات المتوافقة مع الشريعة، كما يتطلب الأمر تعزيز مهارات إدارة المخاطر الخاصة بالمنتجات الإسلامية، وبناء قدرات متخصصة في مجالات التطوير والابتكار المالي الإسلامي. رابعا: تحديات الحوكمة الشرعية: يتطلب التحول تأسيس منظومة حوكمة شرعية متكاملة، تشمل هيئة رقابة شرعية وإدارة رقابة شرعية داخلية، إضافة إلى تطوير آليات فعالة للتدقيق الشرعي وضمان الامتثال، وهذا التحدي يتطلب استثمارا كبيرا في البنية التحتية والكوادر المتخصصة، وتطوير أطر عمل واضحة تضمن الالتزام بالمتطلبات الشرعية في جميع عمليات البنك. خامسا: تحديات إدارة السيولة: تواجه البنوك المتحولة تحديات جوهرية في إعادة هيكلة محافظها الاستثمارية لتتوافق مع الشريعة الإسلامية، كما أن إيجاد أدوات مناسبة لإدارة السيولة وتطوير شبكة علاقات جديدة مع البنوك الإسلامية يمثل تحديا إضافيا يتطلب جهودا حثيثة وخبرة متخصصة. سادسا: تحديات العلاقة مع العملاء: تمثل إدارة العلاقة مع العملاء أثناء فترة التحول تحديا محوريا، إذ يتطلب الأمر جهودا مكثفة في التواصل وشرح المنتجات الإسلامية البديلة للعملاء، مع الحرص على الحفاظ على ثقتهم أثناء عملية التحول، ويشمل ذلك تطوير استراتيجيات تواصل فعالة وبرامج توعية مستمرة؛ لضمان فهم العملاء المنتجات الجديدة وقبولهم إياها. سابعا: تجربة البحرين الناجحة: على الرغم من هذه التحديات، فإن تجربة البحرين في تحول البنوك التقليدية إلى إسلامية تعد قصة نجاح ملهمة، فقد اكتسب القطاع المصرفي البحريني خبرة عميقة في إدارة عمليات التحول والاندماج، ما جعل هذه العمليات تتم اليوم بسلاسة وكفاءة عالية، ويرجع هذا النجاح إلى البيئة التنظيمية المتطورة، ووجود المؤسسات الداعمة مثل “أيوفي” والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى التجارب السابقة الناجحة التي وفرت نماذج يمكن الاحتذاء بها. بناء على قراءتكم للوضع المالي البحريني هل تتوقعون مزيدا من هذه التحولات؟ بناء على قراءة للوضع المالي في البحرين والمنطقة، نتوقع استمرار توجه البنوك نحو الصيرفة الإسلامية، وتستند هذه التوقعات على عدد من المؤشرات والعوامل الإيجابية في السوق. 1 - أداء القطاع المصرفي الإسلامي: يظهر تقرير الاستقرار المالي الصادر عن مصرف البحرين المركزي نموا متصاعدا في أصول البنوك الإسلامية، وتوسعا ملحوظا في حصتها السوقية، ويشكل هذا النمو المتميز حافزا قويا للبنوك التقليدية لإعادة النظر في نموذج أعمالها، والتفكير جديا في التحول نحو الصيرفة الإسلامية.  2 - التوجهات الإقليمية والعالمية: يشهد قطاع التمويل الإسلامي نموا متسارعا على المستويين الإقليمي والعالمي، ما يفتح آفاقا واسعة للتوسع والنمو. وتتمتع البحرين بموقع استراتيجي يؤهلها للعب دور محوري في هذا النمو، خصوصا مع بنيتها التحتية المتطورة وإطارها التنظيمي المتقدم في مجال الصيرفة الإسلامية. 3 - الابتكار المالي والاستدامة: يتزايد الطلب على المنتجات المالية المبتكرة والمستدامة، وتتميز الصيرفة الإسلامية بقدرتها على تلبية هذا الطلب عبر منتجات مثل الصكوك الخضراء والتمويل المستدام، وأثبتت التجربة أن المبادئ الإسلامية تتوافق بشكل طبيعي مع متطلبات الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. 4 - التطور التكنولوجي والرقمنة: يشهد القطاع المالي تحولا رقميا متسارعا، والبنوك الإسلامية في البحرين تتبنى هذا التحول بشكل فعال، ومع وجود إطار تنظيمي داعم للابتكار التكنولوجي في البحرين، يصبح التحول نحو الصيرفة الإسلامية فرصة للبنوك لتحديث أنظمتها وتطوير خدماتها الرقمية. 5 - الخبرة المتراكمة في التحول: أصبحت البحرين اليوم تمتلك خبرة متميزة في إدارة عمليات تحول البنوك التقليدية إلى إسلامية، وكذلك في عمليات الدمج والاستحواذ. وتجعل هذه الخبرة المتراكمة عملية التحول أكثر سلاسة وأقل مخاطرة للبنوك الراغبة في التحول. 6 - دعم السياسات والتنظيم: يواصل مصرف البحرين المركزي تطوير الإطار التنظيمي للصيرفة الإسلامية، ما يوفر بيئة آمنة ومحفزة للتحول، كما أن وجود مؤسسات داعمة، مثل “أيوفي” والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، يعزز من جاذبية هذا التوجه. وفي ضوء هذه المعطيات، نرى أن مستقبل الصيرفة الإسلامية في البحرين واعد، وأن مزيدا من البنوك قد تتجه نحو التحول للاستفادة من الفرص المتاحة في هذا القطاع المتنامي. من الأسباب المعروفة لهذه التحولات أن المجتمع البحريني يحب التعامل مع هذه البنوك الإسلامية، لماذا يفضل المجتمع البحريني التعامل مع هذه البنوك؟ يتميز المجتمع البحريني بتفضيل واضح للتعامل مع البنوك الإسلامية، لكن هذا التفضيل يرتبط بشكل متزايد بتوقعات عالية لجودة الخدمة وتجربة العميل، إلى جانب التوافق مع الشريعة الإسلامية. - تطور توقعات العملاء: لم يعد التوافق مع الشريعة وحده كافيا لكسب ولاء العملاء في السوق البحرينية، فالعملاء اليوم يتطلعون إلى تجربة مصرفية متكاملة تجمع بين الالتزام الشرعي وجودة الخدمة والكفاءة التشغيلية، وتدرك البنوك الإسلامية أن نجاحها يعتمد على قدرتها على تحقيق هذا التوازن الدقيق. - الجودة والحماية: تولي البنوك الإسلامية في البحرين اهتماما متزايدا لحماية العملاء وتحسين تجربتهم المصرفية، فإلى جانب ضمان التوافق مع الشريعة، تركز هذه البنوك على تطوير خدمات سهلة الاستخدام، وتوفير حلول رقمية متطورة، وضمان الشفافية في المعاملات، مع التركيز على التثقيف المالي وحماية حقوق العملاء. - التنافسية والابتكار: أدركت البنوك الإسلامية أن عليها أن تنافس ليس فقط على أساس توافقها مع الشريعة، بل أيضا على جودة خدماتها وابتكار منتجاتها. ونجحت في تقديم حلول مالية مبتكرة تلبي الاحتياجات المتطورة للعملاء، مع الحفاظ على التزامها المبادئ الشرعية. - تجربة العميل المتكاملة: تسعى البنوك الإسلامية في البحرين إلى تقديم تجربة عميل متميزة تشمل: • خدمات رقمية متطورة سهلة الاستخدام • شفافية في التعاملات والرسوم • دعم عملاء احترافي ومتجاوب • حلول مالية مخصصة تناسب مختلف شرائح العملاء • برامج للتثقيف المالي وتوعية العملاء - التوازن بين الامتثال والكفاءة: تدرك البنوك الإسلامية أن نجاحها المستمر يعتمد على قدرتها على تحقيق التوازن الأمثل بين الالتزام الشرعي وكفاءة العمليات، فالعميل البحريني المعاصر يتوقع خدمات سريعة وفعالة، مع ضمان توافقها التام مع الشريعة الإسلامية. وبهذا، فإن نجاح البنوك الإسلامية في البحرين يعتمد على قدرتها المستمرة على تلبية هذه التوقعات المتزايدة، مع الحفاظ على هويتها المتميزة كمؤسسات مالية إسلامية، وهذا يتطلب استثمارا مستمرا في تطوير الخدمات والمنتجات، وتحسين تجربة العملاء، مع ضمان الالتزام الصارم بمبادئ الشريعة الإسلامية. ما هي الاستراتيجيات التي يمكن أن تتبناها البنوك الإسلامية في البحرين لتعزيز تنافسيتها على الصعيدين المحلي والإقليمي؟ تواجه البنوك الإسلامية في البحرين فرصا واعدة لتعزيز تنافسيتها محليا وإقليميا وعالميا، ويمكن تحديد الاستراتيجيات الرئيسة في محاور متكاملة عدة. - التحول الرقمي والابتكار التكنولوجي: يشكل التحول الرقمي ركيزة أساسية لتعزيز القدرة التنافسية، فعلى البنوك الإسلامية تطوير بنيتها التحتية الرقمية وتبني التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والخدمات المصرفية المفتوحة. ويجب أن يركز هذا التحول على تحسين تجربة العملاء وتعزيز الكفاءة التشغيلية، مع الاستفادة من البيئة التنظيمية المتطورة في البحرين التي تدعم الابتكار المالي. - التعاون والتكامل المؤسسي: يعد تعزيز التعاون بين البنوك الإسلامية ومؤسسات البنية التحتية للصناعة المالية الإسلامية أمرا حيويا لتعزيز تنافسية القطاع عموما، فالتنسيق مع مؤسسات مثل “أيوفي” والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يمكن أن يساهم في تطوير معايير موحدة، وابتكار منتجات جديدة تعزز القدرة التنافسية للقطاع على المستوى العالمي. - التوسع العالمي والريادة: حان الوقت للبنوك الإسلامية في البحرين لأن تتجاوز حدودها التقليدية وتستفيد من مرونتها وهيكلها المتكيف للتوسع عالميا، فالبنوك الإسلامية مدعوة اليوم للمغامرة المدروسة والانطلاق نحو أسواق جديدة، مستفيدة من خبراتها المتراكمة وقدرتها على الابتكار. وهذا التوسع يمكن أن يتحقق بشراكات استراتيجية، أو افتتاح فروع جديدة، أو الاستحواذ على مؤسسات قائمة في الأسواق المستهدفة. - الابتكار في المنتجات والخدمات: يتطلب تعزيز التنافسية العالمية تطوير منتجات مبتكرة تلبي احتياجات الأسواق المختلفة، فالتركيز على المنتجات المستدامة والتمويل الأخضر والحلول المالية المتكاملة يفتح آفاقا جديدة للنمو والتوسع، كما أن تطوير حلول مبتكرة لإدارة السيولة على المستوى العالمي يعزز قدرة البنوك الإسلامية على المنافسة في الأسواق العالمية. - بناء التحالفات الاستراتيجية: يجب على البنوك الإسلامية في البحرين السعي لبناء تحالفات استراتيجية مع مؤسسات مالية عالمية، وشركات التكنولوجيا المالية، ومراكز الابتكار العالمية، فهذه التحالفات تمكنها من الوصول إلى أسواق جديدة وتطوير قدرات تكنولوجية متقدمة. - الريادة في التمويل المستدام: تمتلك البنوك الإسلامية فرصة فريدة لقيادة التحول نحو التمويل المستدام عالميا، مستفيدة من التوافق الطبيعي بين مبادئ التمويل الإسلامي وأهداف التنمية المستدامة، ويتطلب هذا تطوير منتجات مالية مبتكرة تجمع بين الامتثال الشرعي والاستدامة البيئية والاجتماعية. وختاما، فإن نجاح هذه الاستراتيجيات يعتمد على قدرة البنوك الإسلامية على العمل معا كمنظومة متكاملة، والاستفادة من المزايا التنافسية التي تتمتع بها البحرين كمركز مالي إسلامي عالمي، فالتحدي اليوم هو تحويل هذه الإمكانات إلى واقع ملموس بالمبادرة والجرأة في اقتناص الفرص العالمية، مع الحفاظ على الهوية المتميزة للتمويل الإسلامي. كيف تقيم أداء البنوك الإسلامية في البحرين مقارنة بالبنوك التقليدية من حيث الربحية والنمو؟ يظهر تقييم أداء البنوك الإسلامية في البحرين مؤشرات إيجابية قوية، ويمكن تحليل هذا الأداء عبر عدد من الأبعاد الرئيسة. - النمو والتوسع: تشير التوقعات إلى استمرار النمو القوي في أصول البنوك الإسلامية في العامين 2024 و2025، مدعوما بالأداء المتميز الذي حققته في 2023 إذ سجلت نموا بنسبة 8 %. وتشير التقديرات إلى أن هذا النمو سيتفوق على معدلات النمو في القطاع المصرفي التقليدي، خصوصا في منطقة الخليج العربي والأسواق الآسيوية الواعدة. - المرونة والاستقرار: أظهرت البنوك الإسلامية في البحرين مرونة ملحوظة في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، ويتجلى ذلك خصوصا في قدرتها على الحفاظ على جودة أصولها وتحقيق معدلات نمو مستقرة حتى في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، ويعود هذا جزئيا إلى نموذج عملها القائم على ربط التمويل بالأصول الحقيقية والمشاركة في المخاطر. - الربحية والكفاءة: سجلت البنوك الإسلامية في البحرين مستويات جيدة من الربحية، مدعومة بتحسن الكفاءة التشغيلية وتنوع مصادر الدخل. وساهم التحول الرقمي في خفض التكاليف التشغيلية وتحسين هوامش الربح، كما أن تطور المنتجات المالية الإسلامية وابتكار حلول جديدة ساهم في تعزيز مصادر الإيرادات. - الثقة والتفاؤل المستقبلي: يظهر استبيان المصرفيين الإسلاميين العالمي مستوى ثابتا من التفاؤل تجاه مستقبل القطاع، وتعكس هذه النظرة الإيجابية ثقة المصرفيين في قدرة البنوك الإسلامية على مواصلة النمو وتحقيق نتائج متميزة، ويستند هذا التفاؤل إلى المؤشرات الاقتصادية الإيجابية في الأسواق الرئيسة للتمويل الإسلامي، والقدرة المثبتة للبنوك الإسلامية على التكيف مع المتغيرات السوقية. - ضرورة التطوير المستمر: غير أن هذا النجاح، مهما كان لافتا، لا يمكن أن يكون مدعاة للركون إلى الراحة أو الاكتفاء بما تحقق، فالتميز في عالم اليوم ليس حالة ثابتة بل هو رحلة مستمرة من التطور والتحسين. إن التوقف عن التطور، حتى في أوج النجاح، يمكن أن يؤدي سريعا إلى التراجع في ظل المنافسة العالمية المتزايدة والتطورات التكنولوجية المتسارعة. ويتطلب الحفاظ على المكانة المتميزة للبنوك الإسلامية البحرينية يقظة مستمرة ومتابعة دقيقة للتطورات في الأسواق المالية العالمية، فالتحدي الحقيقي ليس في الوصول إلى القمة فحسب، بل في البقاء فيها والاستمرار في التقدم، وهذا يستلزم استثمارا متواصلا في التطوير والابتكار، وتحديثا مستمرا للأنظمة والعمليات، وتطويرا دائما للكفاءات البشرية. وتتطلب المحافظة على الريادة في الصناعة المالية الإسلامية عملا يوميا دؤوبا، ورصدا مستمرا للمستجدات والفرص والتحديات، فالنجاح في هذا القطاع أشبه بتسلق سلم متحرك، فالوقوف في مكان واحد يعني التراجع التلقائي، لذا يجب على البنوك الإسلامية في البحرين مواصلة جهود التطوير والابتكار، والاستثمار في البحث والتطوير، وتعزيز قدراتها التنافسية باستمرار؛ للحفاظ على مكانتها الرائدة إقليميا وعالميا.