في حفل تأبيني حميم ومفعم بالمحبة والعرفان واحتفاء بأحد القامات الثقافية والفكرية والأدبية في مملكة البحرين والخليج والوطن العربي، وبمناسبة الذكرى السنوية الأولى لرحيل المرحوم الأستاذ الدكتور إبراهيم غلوم تم تدشين آخر إصدار له كتاب الوعي التاريخي والتبئير الثقافي: رؤية ثقافية لتاريخ الدولة الحديثة في الخليج العربي، وهو من إصدارات مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، وذلك في مساء يوم الأحد الموافق التاسع والعشرين من سبتمبر 2024، وبحضور نخبة المجتمع من مثقفين وأدباء ومفكرين. استعرضت معالي الشيخة مي بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المركز في بداية الحفل بعضا من سيرة الراحل الكبير، وأثره على الساحة الثقافية والفكرية والأدبية في مملكة البحرين وخارجها، ثم ألقت سعادة الدكتورة فوزية الصالح حرم الراحل الدكتور إبراهيم غلوم كلمة مؤثرة حول جهوده العلمية، وما يحمل من هم ثقافي كبير، وحرصه اللامحدود في الشأن الثقافي والأدبي، وثقته الكبيرة في معالي الشيخة مي آل خليفة في دعم الثقافة والفكر، وبعدها ألقى الدكتور سعد البازعي مقدم الكتاب كلمة مهمة حول الثقافة الواسعة التي يتمتع بها الدكتور إبراهيم، وأهمية هذا المنجز الجديد ثقافيا وفكريا؛ مستعرضا بعضا من الملامح العامة للكتاب الذي يحتاج إلى دراسات معمقة. يعد هذا الكتاب آخر إصدار فكري للدكتور إبراهيم غلوم، حيث يحتوي على تقديم للدكتور سعد البازعي، وفصلين اثنين، تناول في الجزء الأول من الفصل الأول الجانب التنظيري للضرورة النقدية للتاريخ، وخصوصا فيما يتعلق بالوعي بمصطلح التاريخ في الكتابة التاريخية، وعلاقته بالمعرفة أو الفلسفة، ثم تعرض إلى موضوع تاريخ البحرين والخليج العربي من زاوية الإرادة المتعددة إلى ما أطلق عليها الإرادة غير المكتملة، مشددا على أن المؤرخين المعاصرين لم ينصفوا التاريخ الثقافي للخليج العربي، ولم يتكبدوا مشقة البحث في فجواته وبؤره الفاعلة، حيث أغرتهم الصورة الجاهزة لوثائق أرشيف القوى الأجنبية ورحلاتهم وتقاريرهم. ويؤكد كاتبنا دائما – كما في عدد من كتبه السابقة - على أهمية الوعي التاريخي قبل السرد التاريخي بإدراك مجموعة من العناصر التي تشكل الوعي التاريخي المسؤول مثل العوامل المحركة للأحداث التاريخية، وجذورها المؤسسة، وامتداداتها الراهنة، وانعطافاتها واستئنافاتها المحتملة. وعنون مؤلفنا الفصل الثاني بعنوان الكتاب نفسه (الوعي التاريخي والتبئير الثقافي: رؤية ثقافية لتاريخ الدولة الحديثة في الخليج العربي)؛ وذلك لدخوله الجانب التطبيقي؛ مبرزا أهمية الأداة المنهجية المساعدة على مراس الوعي التاريخي التي أطلق عليها في هذه الدراسة (التبئير الثقافي للتطور التاريخي)، مع شرح مصطلح التبئير الثقافي، وفاعليته، ووظائفه، وأنواعه، مستعينا بالشرح في وضع نماذج وأشكال دائرية لتلك البؤر، وتبيان الفروق بينها، مختتما الفصل والكتاب بعرض فكرة التبئير التعددي عبر نموذجين  مقترحين يتشكلان في نماذج الحبكات التاريخية غير المكتملة (المفتوحة) من الدائرة الأولى إلى الخامسة. تعد هذه الدراسة بحق فريدة من نوعها من حيث جدة الموضوع وعمق الطرح الفكري، وما تضمنت من إشكالات فلسفية غزيرة؛ تسعى إلى تعزيز الوعي التاريخي بمنهجية علمية رصينة ومحكم، مع الإشارة إلى أن الدكتور الراحل لم يستكمل هذا الكتاب، ولم يراجعه قبل رحيله، ولذلك لم يتسن له كتابة مقدمة مناسبة، كما هو عادته في تأليف الكتب المختلفة.