ابتعدت عن عاصفة مفاجئة فوق جبال الألب وطائرتي ليست مزودة بـ “مانع الجليد”
تبادلت التحية مع طاقم طائرة انطلقت من كندا وشاهدت طائرتهم تسقط في البحر لكنهم نجوا
في أجواء حدودية بين الهند وباكستان، صادفه مطب هوائي قوي للغاية، فما كان منه إلا أن تواصل مع الرادار الأرضي طالبًا منحه مسارًا بديلًا، إلا أن “الطلب قوبل بالرفض” كون “المنطقة حدودية”! إذن، عليه أن يتصرف.. وحيدًا في طائرته من طراز “دايموند DA42”، لم يكن في يده إلا أن ينخفض 1000 قدم ليبتعد عن المطب ويعدل مساره.. كل ذلك في 25 ثانية فقط.
هذا موقف غاية في الصعوبة بلا شك، لكن ما قصة طاقم الطائرة الصغيرة الذين تبادل معهم التحية وتحدث معهم في الجو ورآهم بعد دقائق وهم يسقطون في البحر؟
كثبان ونخيل
تفاصيل مثيرة سنعرج عليها بإيجاز عبر حديث “البلاد” مع الطيار السعودي مشعل السديري، الذي طاف العالم في 27 يومًا بعنوان “رحلة وطن” للتعريف بقدرات وتميز أبناء المملكة العربية السعودية، ولهذا حملت طائرته ثيمة “الكثبان الرملية والنخيل” كتاريخ وتراث للبلد، وطار من الرياض في 9 يوليو حتى 4 أغسطس 2024، في رحلة أكمل فيها 119 ساعة طيران وهبط أثناءها في 30 مطارًا، أما ارتفاعات الرحلة فقد تراوحت بين 11 ألفًا و19 ألف قدم، مرورًا بدول في قارات: آسيا، إفريقيا، أوروبا وأميركا، وحلق فوق محيطات: الهندي، الهادي، والأطلسي، ليسجل اسمه ضمن قائمة 142 طيارًا حلقوا منفردين حول العالم في اتجاه الشرق منذ العام 1933.
أنجزت رحلة صعبة
بالتأكيد هناك تفاصيل في رحلتكم، من الإقلاع إلى الهبوط إلى الإقامة سنتجول فيها معكم، لكن سؤالنا الأول هو: ماذا بعد؟
يسعدني أولًا أن أتقدم بالشكر لمؤسسة “البلاد” الإعلامية وهذا شيء يشرفني كثيرًا، أما عن سؤالكم فلابد من القول إن لدي خططا عديدة وأفكارا في مجال الطيران، لكنها تعتمد بالدرجة الأولى على توفر الإمكانات، ولله الحمد، أنجزت أصعب رحلة وهي دورة حول العالم، وهي بالتنسيق مع الاتحاد الدولي للرياضات الجوية وموثقة لديهم كذلك، وبعون الله تكونون معي في الأفكار المقبلة.
مطمئن تماما
قد يتساءل الكثيرون: ماذا تفعل وحيدًا في الجو وأنت تنتقل من بلد إلى آخر.. دعنا نعيش معك هذه اللحظات وما الذي أضافته الرحلة لك؟
في الواقع، أحسست بأن الأرض صغيرة، إلا أن ساعات الطيران لوحدي جعلتني في اطمئنان بتوكلي واعتمادي على الله سبحانه وتعالى.. تشعر أنك مطمئن تمامًا وأنت تدعو الله لتذليل المصاعب مع الأخذ بالأسباب بالطبع، وطوال الرحلات كان عقلي يعمل لمتابعة أحوال الطقس وأجهزة الملاحة في الطائرة ومحركاتها ووقودها، وحسابات سرعة الريح وتعديل طاقة المحرك إلى حين الوصول إلى وجهتي التالية بوقود يكفي لإتمام الرحلة وفي الوقت ذاته الاستعداد التام لأي مفاجأة.
بوصلة الطائرة
بودنا أن نتعمق أكثر لمعرفة بعض اللحظات المدهشة والمثيرة والمقلقة.. كيف كانت؟
لدي بوصلة بالطائرة، وأتابع توجيهات الرادار الأرضي وخط الخرائط الملاحية، وفي رحلتي من سيبيريا إلى آلاسكا فوق بحر “بيرنغ” شمال الكرة الأرضية، كنت سأهبط في مطار نونغ وبعده التوجه إلى مطار تيد ستيفنز انكوراج عند الساعة 6 مساء، لكن بسبب مشكلة فنية اضطررت للالتفاف باستخدام بوصلة الطائرة، وهذه الدورة جعلتني أصل إلى مطار انكوراج في الساعة 2 بعد منتصف الليل.
الطائرة في البحر!
بالمناسبة، ما هي قصة الطائرة التي سقطت في البحر بعد دقائق من إقلاعها وأين كان ذلك؟
حين طرت من مطار غوس باي في كندا متجهًا إلى مطار نارسارسواك في غرينلاند، أقلعت طائرة صغيرة قبلي بخمس دقائق، وحلقت بعدها بالقرب منهم وتبادلنا التحايا وبعض الأحاديث في الجو، وعندما اقتربنا من مطار غرينلاند يبدو أن مشكلة حدثت لطائرتهم ونزلوا في البحر، لكن لله الحمد اطمأننت عليهم إذ تم إنقاذهم وهم بخير.
فوق جبال الألب
قرأنا في بعض الصحف عن حادثة تكون الجليد على طائرتك التي لم تكن مزودة بنظام مانع الجليد، ماذا حدث بالضبط؟
حينها كنت أحلق فوق جبال الألب في رحلة خط سيرها ينطلق من بريطانيا إلى بلجيكا، ألمانيا، النمسا، وواجهت عاصفة شديدة جعلتني اتجه إلى مسار بديل، فاضطررت للطيران فوق فرنسا وسويسرا ثم أعود مجددًا إلى ألمانيا والنمسا، وكان ذلك على ارتفاع 19 ألف قدم.. وقتذاك تكوّن الجليد الذي يؤدي إلى انعدام الرؤية، فيما طائرتي لم تكن مزودة بنظام مانع الجليد وتسخين الأجنحة! ومن توفيق رب العالمين استطعت تجاوز هذه العاصفة بسلام.
وأخيرًا.. ما الهدف؟
لا شك في أن التفاصيل كثيرة، إلا أن السديري الذي أنجز هذه الرحلة بنجاح بين طيران ومصاعب وهبوط وإقلاع وإقامة للاستراحة ثم مواصلة الرحلة من بلد إلى آخر كان له هدف.. ترى ما هو ذلك الهدف؟
في الخمسين من عمره، وكان ذلك في العام 2018 بدأ رحلة الحصول على رخصة الطيران، وخضع للتدريب حتى نال الرخصة في العام 2021، عندئذ بدأ رحلاته في طائرته الخاصة متنقلًا بين مدن المملكة العربية السعودية، ولهذا، فإن هدفه من هذه الرحلة هو التعريف بإنجازات المملكة وما تشهده من تطور في مختلف الميادين، ولإثبات أن أبناء السعودية قادرون على تحقيق النجاح بجدارة في كل الميادين.