يرى أئمة ونفسانيون ومختصون في الحضارة الإسلامية ومثقفون في تصريحهم لـ “الحوار” حول تغيير تسمية المكان كاردينال لافيجري سابقا إلى المحمدية حاليا، وهو المكان الذي شيد على أرضيته جامع الجزائر الذي بني على أنقاض كنيسة مسيحية، انتصارا على الصليبية وعلى الفكر التبشيري الذي حاولت فرنسا الاستعمارية نشره في أوساط المجتمع الجزائري، حيث استطاعت بناء الكنائس، إلا أنها فشلت في صناعة تحويل الفرد الجزائري عن عقيدته الإسلامية السمحة.
نتمنى أن يكون هذا الإنجاز العظيم عالميا إسلاميا
وفي السياق، يرى رئيس جمعية العلماء المسلمين، الدكتور عبد الرزاق قسوم أن تغيير تسمية مكان مقر جامع الجزائر من الكاردينال لافيجري إلى المحمدية ما هو إلى توجيه من الله تعالى، الذي مكن من وضع أسس هذا الجامع في هذا المكان، وكان الكاردينال لافيجري يضيف قسوم رفقة من كانوا يتآمرون على الشعب الجزائري ويحولوهم من الاسلام إلى المسيحية، وشكلوا بالتالي عدوانا على العقل قبل أن يكونوا على البدن والوطن، حيث كان يأخذ أيتاما منبوذين ويتم تحويل عقيدتهم الدينية من الإسلام إلى المسيحية، ليتحول مكان كنيسته من مكان يميت القلوب بتبشير المسيحي إلى مكان يحيي العقل وعلى فهم الإسلام على السلوك الأخلاقي السليم، راجيا من الله أن يكون هذا الانجاز العظيم عالميا إسلاميا.
المسجد الأعظم تتويج لهويتنا وتاريخنا
وعلى صعيد مماثل، قال الأستاذ في علوم الشريعة والقانون جامعة وهران الدكتور بلخير طاهري الادريسي لـ “الحوار” إن انتقال تسمية المكان الذي بني عليه جامع من لافيجري إلى المحمدية، يحمل العديد من الرسائل، فمن حيث الرسالة السياسية فالتغيير هو تتويج لهويتنا السياسية، أما من الناحية التاريخية فيتعلق الأمر بنجاحنا في اجتثاث بقايا الاستعمار الفرنسي على أرض الجزائر، ومن الجانب الديني فقد فزنا في بناء جامع يعد الثالث من حيث المساحة بعد الحرمين الشريفين، على أنقاض كنيسة استخدمت لتمسيح الجزائريين، خاصة وأن فرنسا اختارت المكان المطل على البحر المتوسط لبناء كنائسها حتى تكون الصروح الأولى التي تظهر للسفن وهي قادمة نحو السواحل الجزائرية، متمنيا أن يذيع صيته بين الدول العالم العربي، وتعرف الجزائر باسمه، على غرار الزيتونة بتونس، والأزهر بمصر، والقرويين بالمغرب، ومسجد أبي حنيفة النعمان ببغداد، سائلا الله تعالى أن يكون جامعا وجامعة لاحتوائه لأكثر من مليون كتاب، وأن يكون المضمون في مستوى الصرح من حيث الكفاءات في تسييره.
إنه انتصار على الصليبيين
وفي الإطار نفسه، أكد رئيس التنسيقية الوطنية للأئمة الشيخ جلول حجيمي في حديثه لـ “الحوار” أن تغيير اسم المكان الذي كان مقرا للكاردينال لافجري إلى المحمدية نسبة للنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – رمزية كبيرة تدل على تمسك الأمة الجزائرية بدينها، وتعتبر ردا على الغزاة الصليبيين الذين يدّعون التحضر والتمدن، حيث تم تحويلها إلى منارة للإسلام الوسطي المعتدل الرافض للعنف والداعي للسلم والإسلام بعيدا عن التعصب والتطرف والتمسك بحقيقة الإسلام وثوابت الوطن.
للفرد درجة تفاعل وتواصل وجداني مع المكان
من جهته، أكد الأخصائي النفساني الدكتور أحمد قوراية، في حديثه لـ “الحوار” أن تغيير اسم المكان الذي شيد عليه جامع الجزائر الذي يعد ثالث مسجد في العالم بعد مسجد الحرمين من حيث قوة استيعاب المصلين، له انعكاساته الإيجابية على نفسية الفرد الجزائري، فالإنسان يضيف قوراية بطبعه تتشكل لديه قوة تفاعل مع المكان وتربطه علاقة روحية معه، وللمكان كما قال دلالة عميقة في بناء الشخصية، وهذا ما يقودنا إلى البحث عن الركائز والخصوصية الوطنية للمكان، لأن الأخير تربطه علاقة وطيدة مع البناء الوظيفي للشخصية، حيث تزداد قوة العروة الوثقى بين الإنسان ووطنه، وعلى الصعيد الحسي العاطفي للمكان الذي احتضن المسجد الأعظم يسري في وجدان الفرد الجزائري ويغمر حسه العاطفي، ويترك في شعوره آثارا عميقة، حيث يحمل كل آثار التفاعل والتواصل مع الوطن ذاته، خاصة وأن المكان هذا حسبه مرتبط بالجانب الديني، لهذا سيكتسي المسجد يقول قوراية رمزية تتصل مباشرة بعاطفة الفرد الدينية، خاصة وأنه تربع على قطعة أرضية كانت تحمل اسم لأحد المستشرقين الفرنسيين دعاة الاستغراب الكاردينال لافيجري الذي كان على رأس حملة تبشيرية لآباء البيض هدفهم تغيير العقيدة الإسلامية للشعب الجزائري، إلى اسم يحمل أعظم شخصية في التاريخ الإنساني ويتعلق الأمر بنبي الأمة محمد – صلى الله عليه وسلم-.
جامع الجزائر عبقرية مكان
في السياق، قال الدكتور بوزيد بومدين أستاذ في الحضارة الإسلامية لـ “الحوار” إن “جامع الجزائر” يَحمل رمزية تاريخية وثقافية ترتبط أساساً بالمكان الذي شهد أكبر مجزرة راح ضحيتها العشرات من الجزائريين وإبادة قبيلة العوفية 1832، والمكان ذاته (الحرّاش) اختاره الكاردينال شارل لافيجري 1892 لتأسيس جمعية الآباء البيض التبشيرية، وكان بناء بيت الله (الكنيسة) لغير وجه الله، وقد آلمه أنه لم يستطع بناء كنائسه التبشيرية في عقول وقلوب الجزائريين التي تبرّر بتأويل فاسِد للكتاب المقدّس الاستعمار والعبوديّة، عبقرية المكان ورمزيته التّاريخية يقول بومدين تُضفي على “جامع الجزائر” رمزيّة حضارية وهو كونه رمزاً مُقاوماً مُجابهاً لاستغلال الدّين من أجل الاستبداد والاستغلال وقهْر الشّعوب، المكان عاد لسكّانه الأصليين و للمحمّديين، ولمحمد عليه الصّلاة والسّلام بمنارة علوّها في علُوّ وشموخ الشّهداء والمجاهدين والوطنيين، هذه الرّمزيات للأمكنة الثّلاثة في العاصمة الجزائر تجعلنا نعيد إحياء تاريخنا بروح إنسانية وبوعي حضاري دون إلغاء الآخر أو التمترس بالمذهب وبالفكرة تعصّباً.
هكذا “جامع الجزائر” الرّمز المكثّف وعبقرية المكان والعمارة الحياة لثنائيّة الإسلام والجزائر ونِسبَته في التّسمية للجزائر هي المعنى للمعاني.
نتمنى أن يكون مسجد مركزا للإفتاء
من جهته، اعتبر المؤرخ الدكتور محمد أرزقي فراد، في حديثه لـ ” الحوار” جامع الجزائر مكسب عمراني وثقافي، مقارنة بالجامعين؛ الزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب اللذين كانا لقرون طويلة مركزيين للاشعاع العلمي، راجيا أن يكون جامع الجزائر فضاءا للعلم والمعرفة، ومركزا للافتاء يتواصل مع الجامعة الجزائرية، وإن لا ينحصر دوره في الصلوات الخمس فقط..
نريد أن يكون جامع الجزائر قلعة حصينة لمرجعيتنا الدينية
من جهته تحدث الشيخ محمّد المأمون القاسمي في تصريح لجريدة الحوار، تحدّث فيه عن رؤيته لجامع الجزائر، كرسالة حضارية، وعن التّسمية التي كان يفضّل إطلاقها عليه، منذ بداية التّخطيط للمشروع. وقال بهذا الصدد: « كنت، منذ ثلاث وثلاثين سنة، إلى جانب الشيخ عبد الرحمن شيبان، رحمه الله، في الجمعية التي أُسّست من أجل إنجاز المشروع. وحين تناولنا التّسمية الّتي تختار لهذا الصرح الحضاريّ، كان رأيي، منذ البداية، أن يُسمّى: “جامع الجزائر”؛ وذلك لما يوحي به هذا العنوان من معان، وما يحمله من دلالات. وبقي هذا رأيي إلى اليوم. فنحن نريده جامعا للأمّة الجزائرية، بتنوّع نسيجها الثقافي والاجتماعيّ. ونريد أن يكون قلعة حصينة لمرجعيتنا الدينية الجامعة، الّتي أنعم الله بها علينا؛ وكانت لنا، عبر الأجيال والعصور، حصانة ذاتية من التطرّف والغلوّ في الدين ».
وأشار الشيخ القاسميّ:« إلى أنّ “جامع الجزائر” كان أملا، منذ عقود؛ وصار اليوم حقيقة، بفضل الله، وبعونه وتوفيقه؛ ثم بفضل الرجال المخلصين الّذين حملوه في ضمائرهم، وسخّروا من أجله جهودهم وطاقاتهم؛ على الرغم من العراقيل والمثبّطات، الّتي عرفها المشروع، من خصوم الإسلام، على امتداد الأعوام. وكانت إرادة الله فوق ما أرادوا. والله غالب على أمره. فللّه المنّة والحمد. وطوبى لمن أسهم في إنجازه، ويسعى في عمارته. وقد سَعِدَتْ بتشييد هذا الصرح الدينيّ جماهير المؤمنين، وخابت أحلام المرجفين ».
وأضاف الشيخ قائلا: « إنّنا نهنّئ الشعب الجزائريّ والأمّة الإسلامية جمعاء، بهذا الصرح الشامخ. والأمل وطيد في أن يكون دافعا إلى الحركة الفاعلة من جديد؛ وأن يبرز عظمة الإسلام، وسماحة تشريعاته، في كافّة المجالات: التربوية والثقافية والاجتماعية والسياسية. أملنا كبير في أن يكون “جامع الجزائر” منارة هداية، ومركز إشعاع علميّ يعيد إلى الجزائر أمجادها التّاريخية، وعطاءها الحضاريّ الّذي تجسّد، بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعمرانية، خلال قرون من السؤدد والريادة.
وفي ختام حديثه أعرب الشيخ القاسميّ عن أمله في أن تضمّ الهيئة العلمية الّتي ستضطلع بهذه الرسالة الجليلة صفوة من الأخيار، المشهود لهم بالكفاءة العلمية، وبالاستقامة والاعتدال، والسّمعة الطيّبة في الأوساط الاجتماعية، فضلاً عن تفقّههم في الدّين، ومعرفتهم بمقاصد رسالته. وينبغي، كما أكّد، أن يكونوا من الملتزمين بمرجعيتنا الدّينية وثوابتنا الوطنية.
عظمة جامع من عظمة الإسلام ..
وفي الإطار ذاته، قال رئيس جمعية العلماء المسلمين، الدكتور عبد الرزاق قسوم، لـ ” الحوار” إن عظمة مسجد الأعظم من عظمة الإسلام ذاته، وعظمة الأمة الإسلامية برمتها، وعندما يقام هكذا معلم ديني وحضاري على موقع كان يعتقد الأباء البيض أنه ملك لهم ومنه يتم تنصير الشعب الجزائري، ويتحول بعد أكثر من نصف قرن من استرجاع السيادة الوطنية إلى إسم المحمدية تخليدا لمبادئ القيم الدينية، وبقي يضيف قسوم أن نتساءل كيف نتعامل مع هذا المعلم الديني والحضاري.
أتمنى أن يكون مسجد الأعظم على شاكلة الأزهر والزيتونة والقرويين
وعلى صعيد مماثل، قال الشيخ شمس الدين بوروبي، لـ ” الحوار” لقد تكسرت بصورة فعلية مشروع أباء البيض الذين أرادوا تنصير أبناء الجزائر، ولم تقم لهم قائمة بعد أن تحول مكان الكنيسة إلى ثالث أكبر جامع في العالم في إشارة منه إلى جامع الجزائر الذي تحول إسم المكان الذي شيد عليه من لافيجري إلى المحمدية، وأضاف شمس الدين أتمنى أن يصبح مرجعا يمثل المرجعية الدينية الوطنية، وأن يحي فيه فقه المالكي، ويكون مركزا لعلماء الجزائر، على غرار الأزهر الشريف ومسجد القرويين بالمغرب والزيتونة بتونس، والحث على نشر إسلام الوسطية والاعتدال على يد عالم جزائري أشعري سني مالكي، وأن لا يكون فقط مسجد تؤدى فيه صلوات الخمس، بل يجب أن يخصص فيه جانبا للفتوى على شكل هيئة علمية شاملة لكل التخصصات العلمية من تفسير القرآن وعلم الحديث، اللغة، المنطق، والتاريخ، والجغرافية، كما تمنى ذات الشيخ تخصيص مكتب للإصلاح ذات البين يشمل كل جوانب الحياة، وتنظم فيه كراسي العلم والمعرفة الشاملة.
–جامع الجزائر الماضي والحاضر والمستقبل–
من بين الموافقات الربانية التى انطوت في فتح هذا الصرح الديني الاسلامي العظيم يقول الأستاذ عبد القادر حيدة إمام الزاوية البلقايدية بالجزائر العاصمة في حديثه لـ ” الحوار” بإن الله سبحانه وتعالى، هيأ فتحه حتى تتوافق المناسبة الدينية بالمناسبة الوطنية، فالمناسبة الدينية شهر مولد خير البرية والمناسبة الوطنية، استقبال شهر نوفمبر الذي جعله الله محطة زمنية لاندلاع ثورة مباركة مجيدة، وكلاهما زمانان يمثلان رمزية عظيمة بالنسبة للأمة الجزائرية..
هذا الجامع الذي بني على تقوى من الله ورضوان، جاء ليربط الحاضر بالماضي يضيف الشيخ…فيستضئ مستقبل هذه الامة ، فالأمة التي لا ماضي لها لا حاضر لها وعليه لا مستقبل لها، فهذا الجامع هو الماضي والحاضر والمستقبل لهذه الامة
وبما أن التاريخ ذاكرة الشعوب ومرآة حضارتها، كان للمكان الذي بني ورفع عليه هذا الصرح الديني حسب ذات المتحدث رمزية عظيمة حيث أن هذا المكان ينسب لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم –المحمدية- وكان قبل ذلك مكان يراد من خلاله تنصير الأمة الجزائرية، ومن خلالها تنصير كافة القارة الأفريقية فكانت حربا صليبية بكل معنى الكلمة ولكن إرادة الله فوق كل شيئ.
وأضاف حيدة يقول إن فتح هذا الصرح الاسلامي العظيم يحمل في طياته أيضا بشارة قيام دولة جديدة، متبوعة لا تابعة، هذا ولقد عانت الأمة الجزائرية من تيارات فكرية دخيلة عليها، شتت شملها وفرقتها لعدم وجود جامع كهذا يجمع الكلمة ويوحدها ويدرأ الغزوات الفكرية عنها ويؤسس لها مرجعيتها الدينية والفكرية، وواصل يقول إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا، وهذه الثلاثة حسبه هي أركان الدين التي ينبني عليها والتي سيكون هذا الصرح الديني مجسدا لكل معانيها حتى يشع نورا على سائر اصقاع العالم بمرجعية دينية تحمل كل معاني الوسطية والاعتدال ومعاني المحافظة على المقومات والثوابت .
هذه المرجعية التي من خلالها منع ابآؤنا وأجدادنا طمس هويتنا ومن خلالها حافظوا على مقوماتنا وثوابتنا وبها جال وصال مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله شرقا وغربا وبث من خلالها سماحة الاسلام فكان بهذه المرجعية شخصية عالمية بامتياز .
– إن هذا الصرح الاسلامي المبارك يقول الشيخ عبد القادر حيدة هو أمل الأمة الجزائرية على وجه الخصوص بل هو أمل الأمة الاسلامية بأكملها
اللهم اجعل بلادنا بلاد الدين…… وراحة المحتاج والمسكين
واجعل لها بين البلاد صوله……. وحرمة ومنعة ودوله
واجعل من السر المصون عزها…..واجعل من الستر الجميل حرزها
واجعل بصاد وبقاف وبنون …….ألف حجاب من ورائها يكون
بجاه نور وجهك الكريم……. وجاه سر عرشك العظيم
وجاه لا إله الا الله……… وجاه خير الخلق يا رباه
الشيخ عبد الله غلام الله لـ ” الحوار”: أنا من اقترح الأرضية التي شيد عليها جامع الجزائر
أكد الشيخ الدكتور عبد الله غلام الله في لقاء خص به ” الحوار” أن الجزائر دولة أصيلة لا يمكن أن تكون تابعة أو مملوكة لأي طرف كان، وقال الشيخ غلام الله أن من حسن حظ الجزائر حتى المناقصة لم ترسو على شركة فرنسية، موضحا في السياق ذاته أن جامع الجزائر لقي العديد من المشاكل لإيقاف تنفيذ مشروعه على أرض الواقع، إلا أن إرادة الله فوق الجميع، فكانت البشرى
.. كنت على رأس وزارة الشؤون الدينية والأوقاف مع بداية ولادة فكرة تجسيد جامع الجزائر، هلا حدثتنا حول هذا الصرح الحضاري ..من الفكرة إلى بداية التجسيد؟
إن مدينة الجزائر العاصمة منذ نشأتها الأولى، كانت قائمة على مسجد، وفي كل طور من أطوار الحياة التي مرت بها كان المسجد المحور الأساس في تاريخها، وإذا أخذنا مرحلة دولة الموحدين نجد الجامع الكبير، خلال منتصف القرن السابع الهجري، وفي العهد العثماني ظهر الجامع الجديد، وهكذا فالعاصمة كان لها عبر العصور مؤسسة مؤثرة في الحياة وهي مؤسسة (الجامع)، ويؤرخ للمدينة من خلال الجامع.
ومن هنا ففكرة جامع الجزائر لها جذور تاريخية، ذلك أن فرنسا بدأت منذ 1915 تشيد بنايات ومعالم معمارية ذات بعد حضاري وتاريخي معين، في عدة مدن جزائرية، مثل البريد المركزي في العاصمة، ومحطة القطار في مدينة وهران، مقر البلدية في ولاية سكيكدة، وبلدية ومحطة القطار في ولاية عنابة، وغيرها من المشاريع في العديد من الولايات الجزائرية، فقد تم تشييد هذه المعالم بنمط هندسي أندلسي وبأسلوب أوربي، وقد تم الانتهاء من تشييد قبيل سنة 1930، وهي السنة التي كان الاستعمار الفرنسي قد تجاوز القرن، وكان استكمال وتدشين هذه المعالم إعلان عن دخول الجزائر (الفضاء الجغرافي والثقافي) في ممتلكات الدولة الفرنسية، وقد سموها الاحتفال السنوي بدخول الجزائر في ممتلكات الدولة الفرنسية، وكان الفرنسيون يقولون أن الدولة الفرنسية تمتد من دانكل شمالا إلى تمنراست جنوبا.
ولكن إعلان استقلال الجزائر، سنة 1962، وقد اعترفت فرنسا باستقلال وسيادة الجزائر، ولكن الجزائر أرادت أن تجيب وبنفس الأسلوب على المزاعم والأكاذيب الفرنسية، فأرادت أن يكون هناك رمز معماري في عاصمة الجزائر، رمزيته وخصوصيته التاريخية تكون متشابهة مع النماذج المعمارية في المدن الجزائرية الكبرى، فيكون فيها (جامع قطب) فهذه المساجد الاقطاب مع جامع الجزائر برهان على أن الجزائر، دولة أصيلة لا يمكن أن تكون تابعة أو مملوكة لأي أحد، فيمكن إحتلالها بحكم الظروف التاريخية ولكن لا يمكن إمتلاكها، وهذه الفكرة كان قد عبر عنها الشيخ عبد الحميد بن باديس من قبل، وبالذات عندما أعلنت فرنسا أن الجزائر ملك لفرنسا قال (إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت)، لأن الجزائر تاريخا وثقافة وتوجها كلها تتنافى مع ما هو عليه الوضع في فرنسا، فهذه الفكرة كانت موجودة منذ بداية الاستقلال، لكن لم تتوفر الشروط لانجازها وتجسيدها في الميدان إلا بعد سنة 2000مـ. اين انطلقت فعلا المرحلة التي تجسد مشروع جامع الجزائر على أرض الواقع.
..وماذا عن الأسس التي تم من خلالها اختيار أرضية الجامع؟
إن اختيار منطقة المحمدية لتكون مكان لبناء جامع الجزائر في الحقيقة كان مجرد مصادفة، لأن اختيار المكان الذي يبنى فيه جامع الجزائر، كان من أشق المسائل التي اعترضتنا في المشروع كله، فكل مكان أو منطقة اقترحناها إلا ووجدنا معارضة، ومن بين الأماكن التي اقترحناها كانت المنطقة القريبة من مقبرة العاليا، ومساحتها كبيرة وواسعة، وقد كنا في اجتماع مع رئيس الجمهورية نبحث موضوع موقع الجامع، ولما اقترحت أنا منطقة العاليا، اعترض وزير الفلاحة آنذاك وقال أن هذه الأرض تابعة للمعهد الوطني للهندسة الفلاحية، وهي أرض تقام فيها التجارب والدراسات التطبيقية لطلبة المعهد الوطني للهندسة الفلاحية، وقال وزير الفلاحة هل تريد أن تعطل العلم وتجارب الطلبة، من أجل أن تبني مسجدا؟ ومع الأسف أنا لم أقم بزيارة للمكان من قبل، ولكن اقتراح المكان كان قد قدم لي، ولو كنت قد قمت بزيارة ومعاينة المنطقة لقدمت الاجابة المناسبة والمفحمة، لأن وزير الفلاحة نفسه قام ببناء مديرية الفلاحة في نفس المكان، وحرم طلبة المعهد الوطني للهندسة الفلاحية، من التجارب والدراسات التطبيقية.
كيف تم مواجهة الحملة اللفرنسية الشرسة لعرقلة المشروع؟
المعروف والبديهي عند الجميع أن الإعلام الفرنسي لا يعجبه أن يوجد في الجزائر انجاز شي جيدا (مهما كان) في الجزائر، فمثلا يسارع الإعلام الفرنسي إلى تأييد ومساندة كل ما يضر الجزائر ويلحق بها الأذى وتكثيف الاهتمام بكل مظاهر التخريب أو التدمير في الجزائر، فالإعلام الفرنسي يؤيد ويساند ويسلط الضوء على مظاهر التخريب والتدمير والفوضى إذا قامت في الجزائر، إما إذا كانت هناك انجازات وأعمال جيدة في الجزائر فإن الإعلام الفرنسي في أحسن الأحوال يسكت، لكن عندما تعلق الأمر بمشروع إنجاز جامع الجزائر، لا يمكن للإعلام الفرنسي أن يسكت، فالشركات الفرنسية التي شاركت في المناقصة لم يكن لها حظ في المشروع، فالمشروع الذي تقدر تكلفته قرابة المليار يورو، كان يفترض من زاوية الإعلام الفرنسي أن يكون هذا المشروع من نصيب الشركات الفرنسية، سواء في الدراسة أو في الإنجاز لكن لم تنجح الشركات الفرنسية في الحصول على المشروع، ومن هنا فإن هذا المشروع لا يعجب الإعلام الفرنسي، هذا من الناحية الاقتصادية البحتة، وهو الأمر الذي من أجله يشن الإعلام الفرنسي الحملات الشعواء، ويختلق الأكاذيب والافتراءات من أجل تشويه صورة الجزائر ويعمل على إلحاق الضرر بها.
هناك من المهندسين المعماريين الذين وضعوا تقاريرهم حول عدم صلاحية الأرضية التي بني عليها المسجد، وأنها تقع على نشاط زلزالي؟
من الذين كانوا يعارضون تشييد جامع الجزائر منذ البداية، كانوا يبحثون في كل مرحلة عن الأسباب والحجج التي تدفع السلطة إما إلى التراجع أو تؤجل انجاز جامع الجزائر، ونظرا لحجم جامع الجزائر، قمنا بدراسات علمية متخصصة وعالية الدقة لأرضية جامع الجزائر، وقد تجاوزت الدراسات في مقاومة الأرضية مسافة التسعين (90) مترا عمقا تحت سطح الأرض، وقد أثبتت الدراسات المتخصصة أن الأرضية قادرة على تحمل ضخامة هذا الهيكل الكبير، وللأسف بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين كانوا يشككون، ولكنني في ذلك الوقت لم أجبهم إجابة تقنية لأن الاجابة التقنية كانت متوفرة، وهي الاجابة التي عرضناها على المسؤولين الذين اقتنعوا بالدراسات التقنية العلمية المتخصصة التي قدمناها، وكانوا قد استمعوا أيضا إلى بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين، وقد ثبت في النهاية بالدليل العلمي أن الأرضية قوية وصلبة وتتحمل هيكل جامع الجزائر، ومع ذلك بقى بعض أعضاء الجمعية الجزائرية للمهندسين ينشرون اعتراضاتهم وشكوكهم في وسائل الإعلام خاصة في وسائل الإعلام التي تعتمد اللغة الفرنسية، دون أن تكون لأقوالهم أدلة علمية، مما يدل على الـتأثير الفرنسي الواضح في الموضوع.
ما هي الأسباب وراء تسليم وزارة الشؤون الدينية وأوقاف مشروع بناء المسجد إلى وزارة السكن؟
جامع الجزائر بقى تحت اشراف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ففي سنة 2015 لما انهيت مهمتي في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف كان مشروع جامع الجزائر قد قطع اشواطا كبيرة من مراحل الإنجاز وبعد وفاة محمد علوي رحمه الله، كان يجب أن تتولى مهمة الأشراف على البناء وزارة تمتلك من الامكانيات الفنية والتقنية للمراقبة والمتابعة ما يتناسب مع مشروع جامع الجزائر، فتولت وزارة السكن هذه المهمة، وكان أنذلك وزير السكن هو السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية، وللحقيقة فقد بذل جدها كبيرا في متابعة انجاز مشروع جامع الجزائر، وقد قلت له في إحدى لقاءاتي معه، بعد ذلك، قلت له أنت كنت من أنصار جامع الجزائر ومن المؤيدين له، والآن أصبح في يدك وتحت إشرافك، وقد جاءتك الفرصة لتحقق منه ما كنت تتمنى له، وأعتقد أنه بذل جهدا كبيرا وهو مشكورا عليه، وهو الجهد الذي ساهم في تسريع عمليات الانجاز والتهيئة، ولجهوده فضل في الحلة الرائعة التي هي عليها جامع الجزائر اليوم.
هؤلاء أول من أموا بالمصلين أولى صلاة التراويح
ويتعلق الأمر بكل من الشيوخ محمد مقاتلي الإبراهيمي، ياسين إعمران، محمد ارشاد مريعي، رضا قارة، عبد العزيز سحيم، أحمد شاوش، عبد الله عويسي وحسين واعليلي، ليتم وفقا لذلك قراءة حزبين في كل ليلة بإمامة كبار المقرئين الجزائريين المعروفين والمتوجين بجوائز عالمية.
أولى صلاة التراويح بجامع الجزائر
شهدت أولى صلاة التراويح بجامع الجزائر خلال شهررمضان المبارك يوم الأحد أول رمضان سنة 1445 هـ، الموافق لـ 10 مارس 2024، تراود جموع المصلين اكتظت بهم قاعة الصلاة ليشهد لهم التاريخ أنهم من أولى رواد هذا المسجد في أولى أيام رمضان المباركة
جئنا حتى نخلد ليلتنا المباركة بمسجد الجزائر
دخل المصلون من أبواب الجامع المختلفة، ونفسيتهم تغمرها الغبطة والسرور، وهو يستعدون لدخول أعظم مسجد يمتاز بمعماري إسلامي بارز في العالم وإفريقيا،
وفي هذا الصدد، قال الحاج الطاهر صراحة حمدت الله تعالى أن مكنني من الصلاة في هذا المسجد الذي يعتبر مفخرة للجزائر، ويزيد رونقه جمالا لهذا المكان الذي كان فيما مضى كاتدرائية مسيحية، وها هو اليوم يرفع فيه صوت الحق يبشر بالتوحيد ويؤسس للمرجعية الدينية في الجزائر، نفس الانطباع وجدناه عند الحاج الحسين الذي أكد أنه جاء أولا لأداء صلاة التراويح كما كان يفعل كل ليالي رمضان، ثانيا أنه سوف يؤديها في جامع له صيت عالمي وأنه بذلك سوف يخلد اسمه بين أحفاده بعد وفاته أنه كان بين المصلين الأوائل الذين صلوا في هذا الصرح الديني الذي يعد كما قال تحفة فنية معمارية إسلامية.
الرئيس تبون يفتتح جامع الجزائر
في 25 فيفري 2024، أشرف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على مراسم التدشين الرسمي لجامع الجزائر، بكل مرافقه، بعد استقبال السيد الرئيس من قبل عميد جامع الجزائر، الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسني، رفقة وزير الشؤون الدينية والأوقاف، يوسف بلمهدي، ووزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، تابع رئيس الجمهورية شريطا وثائقيا وتلقى شروحات حول مختلف مرافق وهياكل هذا الصرح الحضاري والديني، ليقوم بعدها بزيارة كل هياكل الجامع، حيث عاين متحف الحضارة الإسلامية، الذي يؤرخ لمحطات هامة في تاريخ الجزائر بما يحتويه من كتب ومراسلات ومخطوطات في مختلف علوم الدين الإسلامي وأغراض شخصية لعلماء وأعلام من الجزائر من مختلف المراحل التاريخية وتوقف عند كل من المركز الثقافي لمعاينة قاعة المحاضرات والمكتبة ثم المدرسة العليا للعلوم الإسلامية “دار القرآن” التي عاين بها أقسام الدراسة والمخابر.
واختتم رئيس الجمهورية زيارته إلى الجامع بأداء صلاة الظهر رفقة الوفد المرافق له من كبار المسؤولين في الدولة، إلى جانب علماء وأئمة وشيوخ زوايا وشخصيات فكرية ودينية مرموقة من العالم الإسلامي.
التدوينة أئمة.. .. مشايخ ومختصون لـ“الحوار“: المسجد الأعظم سيعزز البناء الوظيفي لفكر الأمة الجزائرية ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.