بقلم: الأخصائي النفساني الدكتور أحمد قوراية

هي ظاهرة طالما أرّقت  وقدت مضجع الأولياء كلما اقترب موعد الدخول المدرسي مع كل موسم جديد.. عادة استّن بها أولياء التلاميذ كلما حلّت سنة دراسية ألا وهي ” الدروس الخصوصية أو التدعيمية” التي أضحت موضة العصر، وتفاقمت وعرفت انفجارا غير مسبوق في العشر سنوات الأخير.

حيث تكاثرت الفضاءات المخصصة لذلك كالفطريات، وتعالت أصوات المنادية من هنا وهناك لهؤلاء التجار وهم يستعرضون في سوق الدروس التدعيمية أو الخصوصية كما يحلو للبعض تسمتها كل حسب عرضه، وسلم أسعاره والامتيازات التي يقدمها للتلميذ بحسب كل مادة علمية المدرجة في المنهج الدراسي المعتمد من طرف وزارة التربية والتكوين، وما على والي الأمر سوى الاختيار والمفاضلة بين تلك العروض المقدمة وإرساء رأيه على العرض الذي يتماشى مع قدرته الشرائية.

ولم يقتصر تقديم تلك الدروس للتلميذ في مدارس خاصة بها قائمة بذاتها على كثرتها.. إنما انحدر المستوى إلى تلقينها في رداهات المرائب – قراج-، وفي البيوت التي تحولت بين عشية وضحاها إلى مدارس خاصة غير معتمدة، والغريب في المسألة تهافت الأولياء عليها دون إقامة أي قيمة للخطر الذي قد يتعرض اليه أطفالهم، ولا أقصد هنا إصابته جسديا إنما التشويش على فكره وعقله، فضاءات لا تنمي المراكز الفكرية لدى التلميذ كما يفعل الأستاذ النزيه في القسم، إنما تقدم له حلولا جاهزة والعمل على تحفيظها له بكل الوسائل المتاحة حتى لا تغادر مخيلته ليقوم هو بدوره بعملية استرجاعها وقت الإمتحان، وبالتالي يقوم مقام اجترار المعلومة دون تمحيصها، على شاكلة صنف آكلات الأعشاب المجترة… همه الوحيد الربح السريع.

وأصدق توصيف لظاهرة الدروس التدعيمية بأنها  محطات خلفية وجسور تؤدي إلى خلخلة وتردي المستوى الوظفي لعقل التلميذ، وتساهم في تدني مستوى التعليم لا غير… واجهات ظاهرها دراسة وباطنها ضرب المنظومة بكاملها، وإنتاج معرفة دون مدها بالأدوات لتطبيقها ميدانيا، بل هي معرفة آنية لا تستجيب لمستوى المطلوب.

قد يوقعنا أحدهم في متاهة فلسفية ويفتح امامنا مجالا لمناقشة واسعة، كأن يقول إن الدروس الخصوصية أو التدعيمية ساهمت في إنجاح التلاميذ في الامتحانات النهائية الرسمية، بينما الحقيقة تؤكد واقعة مغايرة أن تلك الفضاءات قد أنتجت لنا شهادات خولت أصاحبها الولوج إلى الضفة الموالية لصفه لا غير، لكنها لم تقدم لنا معرفة بذاتها.

ان انتاج المعرفة، وإذكاء فكر التلميذ تكمن بمده بالوسائل التي تجعله ينتج حلولا للمسألة التي هي بين يديه، وتركه يشغل آلة العقل للبحث والتقصي والتركيز الدقيق، ونعطي له مساحة للتفكير بدل عرض أمامه الحلول السهلة والمتاحة.

التدوينة لندع أطفالنا يفكرون … بدل مدهم بالحلول الجاهزة ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.