طيب أحمد محمد

ولد المجاهد سي إبراهيم في 24 مارس 1927 بالحروش بولاية سكيكدة، حفظ ما تيسر من القرآن الكريم كأترابه في كُتاب المنطقة، ثم تلميذا في المدرسة الخاصة بالأهالي التي أدخله والده إليها، وهناك ذات يوم يقولفهمت معنى الاستعمار بعد مشاجرة مع أحد أبناء الفرنسيين، وما رأيته من الثنائيشاباسمن بلاد الباسك، وعندما استدعاني المدير الفرنسي إلى مكتبه صفعني فرأيت النجوم في وضح النهار، في تلك اللحظة وحينها كان عمري تسع سنوات فهمت المعنى الحقيقي للاستعمار“.

بين إخوانه درس وعمل في صبر حتى حان وقت الحسم التحق بصفوف الثورة التحريرية مع انطلاقها في أول نوفمبر 1954، خاض الثورة التحريرية مع شخصيات كان لها دور كبير في مسارها ونجاحها في تحقيق المستحيل، وبعد سنوات من الكفاح المسلح عُين ضابطا في جيش التحرير الوطني، بعدها عُين مسؤول الناحية الثالثة بالولاية الثانية التاريخية، يقول سي إبراهيممنطقة الحروش تعد منطقة ثورية أنجبت عائلة بوقادوم المعروفة بوطنيتها، شأنها شأن عائلة كافي، زباغدي، وشباب عائلة حربي التي منها المؤرخ محمد حربي، كما عرفت مرور شخصيات وطنية على غرار الأمير خالد. ويضيف أنالحركة الوطنية كانت متجذرة في الحروش، وأنا شخصيا قطعت 12 كلم لرؤية مصالي الحاج عندما زار الحروش آتيا من سوق أهراس والذي ألقى خطبته من بيت رابح بوقادوم، وبعد أن كشفت فرنسا الأمر ألقت القبض عليه في منزل عبد الله تومي الذي قضى عنده ليلته ورحلته إلى بوزريعة أين فرضت عليه الإقامة الجبرية“.

وهنا يؤكدلا أنسى دور الأناشيد الوطنية والثورية التي تربينا عليها خلال الاحتلال الفرنسي منها حياة الشعوب بشبانها، من جبالنا طلع صوت الأحرار…”، ويضيفلو كانت فرنسا ذكية لدرست بيان أول نوفمبر، لقد دعا فرنسا للتفاهم، لكنها لم تستجب واحتلت أرض غير أرضها، الفلاحون الفرنسيون لما أتوا ورأوا أراضي الجزائر وأراضي منطقة الحروش التي تشبه كثيرا أراضي أوكرانيا التي تعد أغنى الأراضي في العالم، تشبثوا بها ورفضوا مغادرتها. كما أقامت فرنسا تمثالا في سكيكدة كُتب عليه،أنا هنا وأبقى هنا، ما يعني أن فرنسا كانت تتحدانا، فقد ظلمتنا وكانت تقمع الشعب باسم العنف، جيلنا فهم أن فرنسا جاءت بالعنف ويجب أن تخرج به، بالنار والحديد. وكما يقول المثل بالعاميةياغارس في غير بلادك لا ليك لا لولادك“. فالفرنسيون لم يأتوا عندنا كضيوف وإنما جاؤوا ليقتلونا ويفنونا، لأنهم كانوا يرون أن شمال إفريقيا كانت مسيحية وجاءوا من أجل طمس شخصيتنا والدين الإسلامي في بلادنا.

يقولكنا في مركز في مكان يسمىالطروة، في إحدى الأيام وصلت إلى تلك الدشرة فوجدت طفلا ذو تسع سنوات جده يدعى علي بومنجل، سألته إذا كان هناك، فأجابني منعيدش على دادةباللهجة التنفوتية، حتى الأطفال كانوا متعاونين مع الثورة“.

ويرى أن المنطقة لم تأخذ حقها من التاريخ، عندما نتحدث عن هجومات 20 أوت 1955، يجب أن نذكر بمهندسها زيغود يوسف الذي نظمها ونفذها. وهو ابن الشعب ويثق فيه، وقد نسق العمليات جيدا مع بن طوبال وعمار بن عودة في المنطقة الثانية التي نجحت فيها الحركة الوطنية وهي تضم كل من عنابة، قالمة، سكيكدة وجيجل، حيث اندمج سكانها بسهولة في الحركة الوطنية خاصة بعد أحداث 8 ماي 1945 ودور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تكفلت بتنشئة الشعب وتعليمه لغته وتعاليم دينه.

بعد الاستقلال، تقلد المجاهد سي إبراهيم عدة مناصب، منها: رئيس دائرة سكيكدة، ثم واليا لولاية عنابة، حقوقي وكرجل قانون مارس المحاماة لفترة وجيزة، ثم نائبا بالمجلس الشعبي الوطني، ليتم انتخابه رئيسا للجنة القانونية والإدارية، ثم عضوا بعدة لجان بالمنظمة الوطنية للمجاهدين، كعضو محقق كُلف في شرق الجزائر بالتحقيق في ملفات المجاهدين والشهداء المُقدمة إلى وزارة المجاهدين بلجان المنظمة، بصفته قائد ضابط في جيش التحرير بالمنطقة. وعُين تتويجا لمساره المتميز وزيرا للمجاهدين في جوان 1991 في حكومة سيد أحمد غزالي، ثم على التوالي في حكومة بلعيد عبد السلام في جويلية 1992 ورضا مالك سنة 1993 إلى غاية أفريل 1994.

كان المجاهد علي كافي شريكه في النضال وكان قريب منه كثيرا في الثورة، ويقول قبل أيام فقط من وفاته هاتفني وسألني عن تاريخ دخول كمية السلاح الأولى إلى المنطقة فأجبته أن أول أسلحة نقلها لنا الشهيد رابح بلوصيف ووقع اشتباك في الطريق في مزرعةداروتي، وهي عبارة عن مخلفات الأسلحة الانجليزية من الحرب العالمية الثانية.

وفي حوار للراحل ابراهيم شيبوط لـصوت الاحرارببيته في قلب مدينة سكيكدة حدثهم عن الثورة ومحطاتها، وعن بساطة وديمقراطية الشهيد زيغود يوسف مهندس عمليات 20 أوت 1955، مسترجعا ذكريات قرابة ستة عقود من هجومات الشمال القسنطيني، مبرزا تجذر الحركة الوطنية في الولاية التاريخية الثانية التي لم تعرف مشاكل مثلما شهدتها بقية الولايات التاريخية، كما أبدى رأيه في قضايا الساعة، منها قضية اعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية الذي يراه غير مهم أمام شهادة الأدباء والمثقفين الفرنسيين ببشاعة الاحتلال الفرنسي، وحال اللغة العربية في الجزائر التي قال بشأنها إن الوزير الذي يتكلم باللغة الفرنسية مع شعبه لا يستحق المنصب. قبل الاحتلال كانت بعثات تأتي للنهل من أصول اللغة العربية في ولاية بجاية، قائلالا يهمني، إعتراف فرنسا، المهم هو كيف نقوي أنفسنا ونقيم علاقات الند للند معها، ونرجع كلمة الجزائر مسموعة في العالم، نحن لا نحتاج الاعتراف. اعتراف الأدباء والمثقفين والمؤرخين الصحفيين الفرنسيين أهم من رجال السياسة عندهم…”.

كما ركز على دور الإعلام بمختلف وسائله في تحمل المسؤولية للتعريف بالمحطات التاريخية على غرار هجومات الشمال القسنطيني ومؤتمر الصومام. ولا ننسى دور الفنانين، لقد لعبوا دورا كبيرا في سكيكدة كعبد الحميد عبابسة والفنان محمد توري، وكثير من المسرحيين الجزائريين قدموا مسرحيات ساهمت في التعريف بالقضية الوطنية.

وقال كنت أكتب يومياتي في أجندة وأعطيتها لمحمد جغابة الوزير الأسبق للمجاهدين، وعندما سألت عنها في متحف المجاهد لم أعثر عليها، مؤكدا أنكتابة المذكرات تحتاج إلى وثائق وأنا عندما أهم بالكتابة لا أجد الوثائق…”.

ويرى آنذاك أن الجزائر في خطر، الظروف الإقليمية والدولية التي نعيشها صعبة، الدول القوية زادت قوة والضعيفة زادت ضعفا، الميزان غير عادل، هناك حالة لا مساواة بين الدول، ولا توجد العدالة في العالم، رغم أنها شيء مقدس، اليوم الجزائر كلمتها مسموعة بفضل البترول وغدا عندما ينضب، قد لا يسمع بها أحد. ويأمل في الشباب باعتباره طليعة الجزائر وإنتاج العائلة الجزائرية، فحياة الشعوب بشبانها ونحن بشعبنا شبانه.

ومن مؤلفاته كتابزيغود يوسف الذي عرفته، يعتبر الكتاب مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف، حيث يُقدم لنا المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط، شهادة ثمينة عن أحد رجال الجزائر الأفذاذ الذين لعبوا دوراً ريادياً ورائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي. كانت سيرته، وجهاده وعبقريته وما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال ليؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غير مجرى تاريخ الثورة الجزائرية بتصميمه لخطة هجومات 20 أوت 1955، التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحريري الجزائري، ومنعرجاً رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية المباركة طابعها الشعبي، وأعطت ضربة مؤلمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري.

عاش الرجل المجاهد تقاعده في مدينه بين إخوانه وذكرياته وتطلعاته بقلب سكيكدة المنارة المتقدة، عانى في أواخر أيامه من مرض عضال حتى وفاته في الجزائر العاصمة، بالمستشفى العسكري عين نعجة يوم السبت 01 أوت 2015 عن عمر ناهز 88 سنة، ونقل جثمان الراحل جوا على متن طائرة خاصة من مطار هواري بومدين بالعاصمة إلى مطار عنابة ومنه إلى مدينة سكيكدة وتم تشييع جثمانه يوم الأحد بمقبرة القبية بسكيكدة. رحمه الله برحمته الواسعة

وجاء في نص تعزية وزارة المجاهدين: “ببالغ الحزن والأسى وشديد التأثر، وبنفس مؤمنة خاشعة راضية بقضاء الله وقدره تلقى وزير المجاهدين نبا انتقال روح المجاهد ووزير المجاهدين سابقا إبراهيم سلطان شيبوط ضابط جيش التحرير الوطني إلى رحمة بارئها أسدل الله عليه شآبيب المغفرة والثواب. متضرعا إلى الله سبحانه وتعالى بأن يتغمده برحمته الواسعة ويرزق أهله في فقده جميل الصبر والسلوان“.

تكريما للرجل، تاريخ ومسار فيه الكثير من الانتصار، وفي إطار إحياء الذكرى الـ60 لعيد الطالب في 19 ماي 2016 تحولت جامعة الجزائر3 بدالي إبراهيم إلى إسم جامعة إبراهيم سلطان شيبوط اسم المجاهد الوزير السابق للمجاهدين، بحضور جمع معتبر من الشخصيات الوطنية والعلمية والأساتذة وجمع غفير من الطلبة تعريفا به وتكريما له. حتى لا ننسى التضحيات وجزائر البطولات.

التدوينة إبراهيم سلطان شيبوط الرجل المجاهد الحقوقي الوزير ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.