عقد مجلس الأمة، اليوم الثلاثاء ، جلسة علنية برئاسة السيد صالح ڤوجيل، رئيس مجلس الأمة، خُصِّصت لتقديم ومناقشة نص قانون يتعلق بحماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وترقيتهم، بحضور ممثلة الحكومة، السيدة صورية مولوجي، وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، والسيدة كوثر كريكو، وزيرة العلاقات مع البرلمان.
في مستهل الجلسة، أحال السيد صالح ڤوجيل، رئيس مجلس الأمة، الكلمة إلى ممثلة الحكومة، السيدة صورية مولوجي، وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، لتقديم النص، حيث أوضحت بأنه يدخل في إطار تجسيد أحكام دستور نوفمبر 2020، لاسيما ما تعلق بتعزيز الإجراءات المتعلقة بضمان إدماج الفئات المحرومة من ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة الاجتماعية.
وأوضحت ممثلة الحكومة أن هذا النص يكرس انتقال الجزائر قي سياستها الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة من المنظور التكافلي المحض إلى المنظور الشمولي التشاركي المدمج الذي سيسمح بضمان مواصلة تعزيز مكتسبات الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وترقيتهم، وأضافت أنّه يكرّس مصطلح “ذوي الاحتياجات الخاصة” بدلا من مصطلح “معاق”، فضلا عن إدراج سلم تقييم الإعاقة كأداة مرجعية، تم إعداده من قبل مصالح وزارة الصحة… كما يتضمن الجوانب المتعلقة بالوقاية من الإعاقة والخدمات الصحية والاجتماعية وإعادة التدريب الوظيفي وإعادة التكييف على غرار إدراج أحكام جديدة تتعلق بالخدمات الصحية وتوفير الآليات والوسائل الملائمة لتشجيع البحث العلمي في مجال الكشف المبكر عن الإعاقة والوقاية منها.
وأفادت ممثلة الحكومة أنّ النص يعزز استفادة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من المساعدة الاجتماعية ومن مختلف المساعدات العينية من خلال تمكينهم من الأجهزة الاصطناعية ولواحقها والمساعدات التقنية، وكذا الأجهزة والوسائل المكيفة مع طبيعة الإعاقة، فضلا عن المنحة المالية كإعانة مباشرة تخصص لهم شهريا، ويتضمن من جهة أخرى استفادة هذه الفئة من مجانية النقل أو تخفيض تسعيراته، مع استفادة الأشخاص المرافقين من نفس التدابير، كما يدرج فيما يخص حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والرفع من مستوى ادماجهم في سوق العمل، تخصيص نسبة 1% على الأقل من مناصب العمل لفائدة المعترف لهم بصفة العامل ذي الاحتياجات الخاصة، في حين يتعين دفع اشتراك مالي في حالة عدم تخصيص تلك المناصب يصب في ميزانية الخزينة العمومية.
ويؤكّد النص أيضا على إنشاء المجلس الوطني للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة كهيئة استشارية لدى الوزير المكلف بالتضامن الوطني، تناط به مهام تقديم دراسات واقتراحات وتوصيات في مجال حماية هذه الفئة.
بعد عرض ممثلة الحكومة؛ أحال السيد صالح ڤوجيل، رئيس مجلس الأمة، الكلمة إلى السيد جلول حروشي، مقرر لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتضامن الوطني، من أجل تلاوة التقرير التمهيدي الذي أعدّته اللجنة في الموضوع، والذي جاء فيه أن أهم ما يمكن استخلاصه من دراسة نص هذا القانون هو المقاربة الجديدة التي جاء بها في إطار التكفل بهذه الفئة أو الشريحة المهمة من المجتمع، باعتماد المنظور الشمولي التشاركي المدمج لهذه الفئة بدلاً من المنظور التكافلي المحض؛ بالإضافة إلى الآليات التي من شأنها ترقية هذه الفئة والتقليل من وطأة الاعاقة على يومياتها وكذا الأحكام الجزائية التي تهدف إلى حماية هذه الفئة من مختلف أشكال الاستغلال أو الاعتداء أو الامتناع عن عدم تمكينها من الاستفادة من الحقوق والمزايا الممنوحة لها بقوة القانون، في إطار أحكام دستور 2020 والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وأهداف التنمية المستدامة آفاق 2030، هذا وقد ثمنت اللجنة مجمل الأحكام والتدابير والآليات الجديدة التي أتى بها هذا النص.
عقب ذلك، فُسح المجال أمام أعضاء المجلس لطرح تساؤلاتهم وانشغالاتهم بخصوص هذا النص، تمحورت حول إمكانية التعزيز من رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، من حيث التعليم والتكوين والترفيه، بإنشاء مدارس ومعاهد تكوين خاصة جديدة؛ متسائلين أيضا حول عدم استفادة هذه الفئة من امتيازات في مجال النقل والمؤسسات الناشئة، داعين في نفس الوقت إلى ضرورة تكييف وتهيئة المباني والمرافق العامة لتسهيل وصول وتنقل هذه الفئة.
كما أثاروا مسألة الإعاقات المستديمة والتشوّهات الخطيرة لفئة واسعة من ساكنة المناطق التي كانت مسرحًا للتجارب النووية التي قامت بها فرنسا إبّان الفترة الاستعمارية في صحراء بلادنا، ما تزال آثارها قائمة وظاهرة إلى اليوم على مختلف الأجيال التي تولد بهذه الإعاقات والتشوّهات؛ وطالبوا فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية في حق الشعب الجزائري.
وقد تكفلت ممثلة الحكومة بالرد على جميع التساؤلات والانشغالات التي عبّر عنها أعضاء المجلس، مؤكدة في مستهل ردها أن نص هذا القانون كرس حق الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في مجانية التربية والتعليم وهما مضمونان دستوريا بنص المادة (65) من الدستور، وتسهر الدولة باستمرار على تحسين جودتهما.
وبخصوص الإدماج المهني والاجتماعي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، أشارت أن نص القانون تناول هذا الموضوع ولكن تبقى المنظومة القانونية لوحدها غير قادرة على تغيير الواقع، فالأمر يتطلب تكافل وانخراط والعمل بالتنسيق مع كل الشركاء والفاعلين الاجتماعين والقطاعات الوزارية للتكفل الأمثل بهذه الفئة.
وأشارت ممثلة الحكومة أن إعداد مشروع هذا القانون قد خضع لمشاورات واسعة مع مختلف الهيئات الناشطة في مجال الإعاقة، وأن نصوصه التنظيمية جاهزة.
وفي ختام أشغال هذه الجلسة، وفي كلمة مقتضبة له، أكّد رئيس مجلس الأمة، المجاهد صالح ڤوجيل على أنّ الخلاصة التي يُمكن استخلاصها من تقديم ومناقشة هذا النص أنّه يُكرّس الطابع الاجتماعي للدولة المستمد من مرجعيتنا الوطنية وفي مقدمتها بيان أوّل نوفمبر 1954؛ كما لفت إلى أنّ هذا النص مثل النص الذي قُدِّمَ ونُوقِشَ بالأمس في مجلس الأمة حول موضوع النفايات، يذكّرنا هو الآخر بالجرائم التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري لاسيما ما خلّفته تجاربه النووية في صحراء بلادنا على الإنسان والبيئة، وكذا الآثار الوخيمة للألغام والمتفجّرات التي زرعها على طول خطي شال وموريس عبر حدودنا الشرقية والغربية، والتي بلغت 11 مليون لغمًا، والتي حصدت أرواح الآلاف من الرجال والنساء والأطفال وحتى الحيوان لم يسلم منها، بالإضافة إلى الإعاقات التي تسببت فيها؛ وهنا وجّه السيد رئيس المجلس اللجنة المختصة بإدراج في تقريرها التكميلي الذي تعكف على إعداده وعرضه في جلسة المصادقة على هذا النص، المقررة يوم الخميس 23 جانفي 2025، توصية يدعو فيها مجلس الأمة الحكومة إلى ضرورة الإسراع في إحصاء وجرد مخلّفات هذه الألغام والمتفجّرات من موتى ومعطوبين منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، لتكون شاهدة أمام التاريخ والعالم على فظاعة جرائم الاستعمار الفرنسي وتُخلّد في سجل تضحيات الشعب الجزائري في سبيل الحرية والسيادة.