ـ الاستراتيجية والاستشراف قوة المركز العربي للتربية الوالدية
ـ وجهنا عنايتنا للكفاءات الشابة في كل المجالات العلمية والإنسانية
ـ ساهمنا في حماية المجتمع التونسي من عديد الظواهر الخطيرة
ـ المنظومة التربوية والأسرية والمجتمعية تحتاج إلى مراجعات عميقة
ـ جيل الأبناء توفر له ما لم يتوفر لجيل الآباء ماديا وتكنولوجيا
ـ الأسرة العربية تمتاز بخصوصية وجدانية يمكن استثمارها تربويا
يكشف رئيس المركز العربي للتربية الوالدية بتونس، بشير العواني، في هذا اللقاء مع “الحوار”، أن قوة المركز الذي يتولى رئاسته منذ سنة 2016، تكمن في الإستراتيجية والاستشراف، مشيرا إلى اشتغالهم كثيرا على موضوعين استراتيجيين هما التربية والشباب، مؤكدا على توجيه كل العناية للكفاءات الشابة في كل المجالات العلمية والإنسانية. وبعد أن تطرق بشير العواني في هذا الحوار المثير، إلى ملفات مختلفة وذات أهمية بالغة متعلقة بالتربية الوالدية، أكد على أن المنظومة التربوية والأسرية والمجتمعية تحتاج إلى مراجعات عميقة وأن مؤسسته في خدمة أسرنا ومجتمعاتنا وأوطاننا وفي خدمة الإنسانية جمعاء، بعد أن عاد إلى نجاحها الكبير في التعريف بأهمية التربية الوالدية، خاصة وأن الأمم المتحدة تبنت مشروعها في التربية الوالدية.
ـ مرحبا بكم السيد بشير العواني، رئيس المركز العربي للتربية الوالدية بتونس، في هذا اللقاء مع الحوار الجزائرية، بداية كيف تعرف نفسك للقراء..
شكرا لجريدة الحوار الجزائرية، ذائعة الصيت داخل الجزائر الشقيقة وخارجها، على نبل اهتمامها ودقة اختيارها للحظة إجراء الحوار بعمق مع شخصي المتواضع الدكتور بشير العواني، رئيس المركز العربي للتربية الوالدية، متحصل على دكتوراه في فلسفة التربية وعضو في النخبة العالمية للتربية الوالدية.. من أهم مؤلفاتي التي نشرت “الانتحار في تونس ما بعد 2011” “فلسفة التربية عند كانط ” وتحت الطبع مؤلف جديد بعنوان “التربية عند لوك وروسو وكانط”، عضو باتحاد الكتاب التونسيين، مُحكّم دولي في مجال البحوث النفسية والتربوية، عضو بالمجلي العلمي بعدة مجلات محكمة دوليا وجامعي بالجامعة التونسية.
الذي نعيشه اليوم هو تبعات لسقطات قيمية الكل ساهم فيها، ماذا يقول الأستاذ بشير العواني بخصوص واقع القيم؟
ـ بخصوص أزمة القيم التي تعيشها الأجيال المتعاقبة والمجتمعات تعود بالأساس إلى عوامل مرتبطة بالجهل وتراجع مردودية التعليم وتدني مرتبة المعلم والمربي في سلم المثل الإجتماعية لصالح مهن جديدة وهناك عوامل مرتبطة بالفقر والتهميش تعاني منها عديد العائلات، خاصة في دول العالم الثالث وبعيدا عن رقابة الدولة في عديد الأقطار وهناك عوامل مرتبطة بالتفكك الأسري وتغير الحالة الاجتماعية وانتقالنا من العائلة التقليدية التي تتمتع بوفرة العدد إلى العائلة النواة، حيث يعمل الرجل والمرأة خارج البيت ويوكلان أمر تربية أبنائهما إلى الغير وفي كثير من الأحيان تنجب العائلة ولا تتابع تربية أبنائها
وهناك عوامل خارجة على نطاق العائلة والمجتمعات والدول ذات طابع حضاري، حيث تغزو الثقافات وتدخل البيوت عن طريق التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي فنحن نعيش في أفق حضاري لا مكان فيه إلا للقوي وهذا يكون على حساب القيم فتنتشر المظالم وتتراجع قيم الحرية والتسامح وتعيش المجتمعات والدول والثقافات واللغات والحضارات مراحل من العنف والصدام الرمزي وفي الأقوال والأفعال والكتابات.
الحضارة المهيمنة في الزمن الراهن لا يمكن اللحاق بها إلا ببذل الجهد الكبير في العمل والتقدم المطرد في البحوث العلمية المستقبلية والاستشرافية لأن سرعة التحولات مذهلة على جميع الأصعدة ولا مكان في المستقبل للمجتمعات التي لا تواكب التطورات الحاصلة في المخابر العلمية وفي السلوكات الإنسانية.
نحن بحاجة إلى تدين متزن وسوي وإلى مواطنة كاملة تراعى فيها الحقوق والواجبات وإلى دول قوية في حماية مواطنيها من الفقر والتهميش والجهل والمظالم وأيضا في قدرتها على إنفاذ القانون بنجاعة وبعدالة تراعى فيها الجمع بين قوة القانون ورفعة الحرية.
ـ تبني بيئة السواء وسلوك الوجاهة يقتضي تهيئة متعددة لكنها غائبة بفعل الانتقال الجيلي، لماذا هذا الظلم الذي سُلط على الجيل الحالي؟، هل هو ضرورة فرضتها الصيرورة؟
التحولات متسارعة جدا في كل المجالات وكل ٱكتشاف علمي جديد ستلحق به قيم جديدة فالثورة في مجال البيولوجيا مثلا عندما وقع اكتشاف الخارطة الجينية للإنسان (سنة 1999) وعاشت الانسانية بعدها مباشرة الثورة في مجال المعلوماتية في بداية القرن الواحد والعشرين، تحركت الإنسانية وغادرت واقع المادة إلى عصر الطاقة، أي أن الإنسانية زادت سرعات تقدماتها (الطاقة يعني الجسم في سرعة الضوء) فأثر ذلك على حركة التغيير في تركيبة الفرد والأسرة والمجتمع وتطورت الثورة المعلوماتية ليتحول العالم إلى قرية صغيرة وأصبح الإبحار عن طريق الانترنت مهمة متاحة للكبار والصغار وهنا انفصل تربويا جيل الآباء عن جيل الأبناء وأصبح الفرد والأسرة والمجتمع يعيش كل واحد منهم غربته وفسحته بطريقة ما.
الواقع يحتاج إلى قوة نظر لننتقل إلى القدرة على التوقع لنستطيع تدبر الموقف والسلوك المناسبين لكل مرحلة عمرية ولكل جيل.. الإعلام المختص ملزم بتوجيه المتقبل إلى الفراغات التي يمكن أن يغفل عنها الواقع خاصة من الناحية القيمية فالمجتمع ملتزم بترسيخ قيم التعاون والتسامح والتضامن والأسرة معنية بتوفير كل سبل نجاح أبنائها وبناتها وكل الأجيال معنية بالمساهمة في التقدم في سلم التحضر والحضارة
ـ تتولون رئاسة المركز العربي للترببة الوالدية في تونس، حدثنا عن التجربة التونسية وكيف تقيمون السلطة الأسرية في تونس؟
قمنا بتأسيس المركز العربي للتربية الوالدية ونتولى رئاسته منذ سنة 2016 وقد وجهنا عنايتنا بالكفاءات الشابة في كل المجالات العلمية والإنسانية، فقمنا بتكوين نواتات محلية وجهوية ومركزية تتكون من نخبة النخبة في كل المجالات وطلبنا منهم التحلي بالصدق في التشخيص والمتابعة واقتراح الحلول والبدائل، وساهم المركز العربي للتربية الوالدية عبر هذه الآلية في حماية المجتمع التونسي من عديد الظواهر الخطيرة كالعنف والإرهاب، وذلك بتأطير الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو البناء والإبداع ودفعهم لابتكار حلول مهما كانت صعوبات الواقع وأطروحاته، وقوة المركز العربي للتربية الوالدية هو في الإستراتيجية والاستشراف وقد اشتغلنا كثيرا على موضوعين إستراتيجيين هما التربية والشباب.
بالمقابل، تراجعت سلطة المدرسة والأسرة والجامع والجامعة في تونس فالمنظومة التربوية الفاشلة كعقلية تتعمد المماطلة وعدم التقييم أغرقت المدرسة التونسية في العقدين الأخيرين في السطحية والشكلانية دون الغوص في جرح المعاني التربوية فقد صارت المدرسة في سنوات بؤسها تنتج لنا أجيالا من الفاشلين والمهمشين في الدرس وفي الحياة، وعاشت الأسرة التونسية واقعا أقرب إلى التفكك واللامبالاة فنسب العنف والطلاق مرتفعة جدا وهذا يؤثر على نفسية الأبناء والبنات داخل الأسرة وخارجها، وتراجعت سلطة الأب ووقع بعد ذلك تجاوز سلطات الأم وفي كثير من الٱحيان أضحت الأسرة التونسية بلا ملامح تربوية واضحة وتداخلت الأدوار الوالدية وكانت النتيجة الفشل في كثير من الأحيان في تربية الأبناء والعجز التام، خاصة في عمر النضج على تأطيرهم وتوجيههم وعاشت تونس مرحلة من التدين المرضي أثرت على شخصية العائلة التونسية وتراجعت في مرحلة ما ثقافة الجامع في وقاية المجتمع من ظواهر العنف والانحراف والجريمة، وتراجعت أيضا الجامعة التونسية عن ريادتها بسبب عدم تجديد الإطار البشري وأيضا لوجود الجامعة في برجها العاجي خارج كل رقابة من المجتمع أو من الدولة التونسية في مرحلة من المراحل التي عاشتها تونس، تحتاج المنظومة التربوية والأسرية والمجتمعية إلى مراجعات عميقة.
الأسرة أول خلايا تشكيل المجتمعات وهي من تحدد قيم المجتمع، لماذا في نظركم توارى دور الأسرة؟
توارى دور الأسرة لأن الولي يعيش التهميش داخل الأسرة وخارجها، يعود منهكا في آخر المساء ويذهب باكرا للبحث عن قوت عائلته فلا يجد الوقت ولا الجهد البدني والذهني ليخصص مساحة من الحوار ليستمع فيها إلى مشاغل أسرته، فالكل منهمك خلف شاشة هاتفه العصري يخاطب من يرغب في مخاطبته وهذا على حساب المساحة العاطفية والوشائج الوجدانية التي تربط الفرد بعائلته.
جيل الأبناء توفر له ما لم يتوفر لجيل الٱباء ماديا وتكنولوجيا، بهذا وجد الولي نفسه شبه مستقيل عن القيام بدوره التربوي بسبب صعوبات الحياة ومقتضيات العمل، حيث يعمل أغلب الوقت بعيدا عن الأسرة ويواجه كل فرد في العائلة مصيره ومعركته مع الحياة بطريقته وبإمكانياته المتاحة، فأثر ذلك على أدوار الأسرة التي تراجع تأثيرها في تكوين قيم المجتمع وأصبحت النخبة ووسائل الاتصال والإعلام هي من تشكل وعي المجتمع وقيمه وهي من تقوم بتوجيه الفرد والمجتمع باستعمال تقنيات التأثير والتأثر التي تخبرنا بها العلوم الٱنسانية.
الأسرة العربية تمتاز بخصوصية وجدانية يمكن استثمارها تربويا، لماذا الاستمرار في التغافل عن هذه الميزة؟ ألم يحن الوقت بعد لإرجاع الأسرة إلى وظائفها الأصيلة؟
الأسرة العربية تمتاز بخصوصية وجدانية يمكن استثمارها تربويا، فالرابطة الوجدانية في الشخصية العربية قوية جدا وعميقة وموغلة في التاريخ والجغرافيا وهناك تشبث بالأرض وبالإنسان ورغم عديد النقائص والصعوبات التي تشكو منها العائلة العربية لكنها تبقى الأقوى والأمتن وجدانيا ومعنويا وقيميا، فما ثزال في الديار العربية المعاصر الكثير من الاحترام للكبار من جيل الٱباء والأمهات وهناك تضحيات جسام يأتيها بعض الإخوة داخل العائلة الواحدة من أجل نحت وتيسير نجاح مسيرة بقية أفراد العائلة وهذا غير متوفر في مجتمعات أخرى مثل المجتمع الأمريكي والمجتمع الأوروبي، والتربية الوالدية تساهم في تدعيم هذه الخصوصية الوجدانية العميقة الكامنة في شخصية كل عربي.
مصطلح التربية الوالدية يحيلنا إلى العلاقة البيولوجية والعاطفية وهي روابط أبدية تحكم عناصر الأسرة، لماذا فشل هذا الثقل وما هي أسباب ظاهرة تمرد الأبناء؟
الرابطة البيولوجية والعاطفية غير كافية لضمان تماسك الأسرة، فالعوامل الثقافية والبيئة الاجتماعية لهما تأثير كبير وتمرد الأبناء أو الأجيال الجديدة على قيم الأجيال السابقة يمكن فهمه بتغير جذري في الظروف والعوامل المادية ففي ظروف جيل الآباء والأمهات كان الجميع يلتحفون بغطاء واحد يجمع الجميع وبسلطة واحدة هي سلطة الوالدين. أما ظروف الأجيال الجديدة فهي مغايرة في كثير من الأحيان فالشاب في غرفة خاصة به ولم يعد الأكل الجماعي أو السكن الجماعي يستهوي الأجيال الجديدة ووقعت تغذية قيم الفردانية وشعار “نفسي نفسي” هو المهيمن وهنا تتدخل التربية خاصة التربية الاجتماعية والتربية الأخلاقية لأن غيابهما تسببا للإناث والذكور في الوقت الراهن في تفاقم ظاهرة العنوسة أو تأخر سن الزواج أو عدم الزواج عند الإناث وعند الذكور في الأرياف والقرى والمدن وعند الفقراء والأغنياء.
أي أن إهمال الجانب التربوي لرتق الفجوة القيمية داخل الأسرة الواحدة يساهم في صعوبات سيواجهها جيل الأبناء والبنات في الإندماج المهني والاجتماعي إننا عندنا ننجب يتوجب علينا جميعا أن نربي ونتابع الناشئة ليكون لنا مستقبلا أفضل. في حين الواقع الراهن وخاصة حاملي شهادات التعليم العالي الذين طالت بطالتهم نتيجة عدم ملاءمة تكوينهم العلمي والنفسي لمطلوب المؤسسات والمجتمعات، فهؤلاء لا تتابع مسارهم الجامعات والمدارس بعد تخرجهم وهو ما يتسبب لهم في إحراجات وفي مشاكل مسكوت عنها يمكن أن تعيشها الأسرة والمجتمع كالإحراجات والمشاعر التي يمكن أن يعيشها جيل الآباء والامهات الذين أحسنوا تربية أبنائهم وبناتهم لكنهم لم يتزوجوا ولم يشتغلوا بسبب ظروف وعوامل اقتصادية واجتماعية خارجة على نطاق وقدرات الأسرة.
هنا تتدخل التربية الوالدية لإعادة تحريك القدرات الكامنة في شخصية هذه الأجيال التي حرمت من الزواج ومن العمل بإعادة تنظيم عواطفهم وتنظيم طرق نومهم وغذائهم ومراقبة التربية الغذائية والعودة إلى التربية البدنية، أي دفع هذه الفئات التي نساها أو يتناساها اللاوعي الجمعي إلى إعادة رسم ملامح شخصياتهم لتكون ملائمة لتطلعاتهم ومستجيبة للمهنة والمجتمع فيسهل ٱندماجهم وتستفيد من قدراتهم أسرهم ومجتمعاتهم ودولهم. تقدمت الأسرة ماديا وتكنولوجيا وتخلفت في الوقت الراهن تربويا وقيميا فنحن نعتني بالسيارة وبنظافتها أكثر من العناية لتربية الأبناء والبنات. وفي بعض الأسر في ديارنا العربية نعطي وقتا للكلاب والقطط أكثر من الأوقات التي يمكن توفيرها للكبار والصغار داخل العائلة الواحدة فكم من مسن وقع تهميشه وحرمانه حتى من الحوار الحميمي داخل العائلة الواحدة.
ـ صلاح الأبناء من صلاح الآباء، كيف تنظر هيئتكم إلى الأبناء ضحايا أسرهم؟ وهل من سياسة فاعلة في هذا الخصوص؟
صلاح الأبناء والبنات من صلاح الآباء والأمهات مقولة تواجه الكثير من الصعوبات لأن البيئة الثقافية للأسرة تغيرت ورغم جهد الآباء والأمهات وهناك بعض السلوكات التي نراها في بعض الملاعب الرياضية مثلا تجعلنا في حاجة إلى مراجعة نقدية هادئة للمنتوج الثقافي والتربوي والأخلاقي لنتمكن من رصد التحولات العميقة التي طرأت على الأسرة ولعل الجميع يستطيع الانتباه إلى صعوبة وعمق اللحظة العاطفية داخل الأسرة الواحدة، خاصة في المناسبات والأعياد حينما تجتمع كل العائلة بجميع أفرادها وتتسارع الذكريات وتحتفي الذاكرة الأسرية بجميع أفرادها الأموات والأحياء وتستلهم القيم وفي هذه اللحظة العميقة في الصحراء العاطفية يمكن استثمارها في تربية الأبناء والبنات لدفعهم للتشبث بالأرض والموطن والوطن والقيم، ففي العائلة التقليدية التي تتميز بكثرة العدد، حيث يتواجد الأخوال والأعمام والأجداد في نفس الفضاء تنشأ العلاقات الجيدة المبنية على المحبة والإحترام.
أما في وضع العائلة النواة ذات العدد القليل فهي تعيش تدريجيا الانهمام الشديد بنفسها ولا تهتم لواقع بقية الأفراد والعائلات وفي كثير من الأحيان نجد الأبناء والبنات يدرسون ويعملون خارج أوطانهم وبعيدا عن عائلاتهم فيتلقون ثقافات جديدة وظروف مادية أفضل تجعلهم على المدى البعيد يتركون ٱباءهم وأمهاتهم ويستقرون بعيدا عنهم، إن الٱباء والامهات يوفرون ما أمكنهم من مستطاعات لأبنائهم ولكن التربية والتهذب وأجب على الكبار والصغار وعلى جيل الأبناء والبنات الإنتباه إلى أهمية دور الوالدين في حياتهم ومن الضروري تثمين دورهم. وبالنسبة للحالات الٱجتماعية كحالات اليتم والطلاق والتفكك الأسري فهنا يكون للمجتمع المدني لمراكز التنشئة الإجتماعية وللمؤسسات الرقابية للدولة دورا ملهما ومهما لوقاية المجتمع والأسرة من الضياع والتهميش في المستقبل، بالنسبة لما رصدناه من ضحايا داخل الأسرة في الوضع الراهن خاصة في تونس هو أن الضرر التربوي قد طال الكبار والصغار، فهناك من الكبار الذين تخلى عنهم ابناءهم وبناتهم ونسيهم الجميع يمتهنون التسول على قارعة الطريق ووقع الرمي بهم في الشوارع. أما المنقطعين عن التعليم المبكر قرابة 130 ألف سنويا في تونس ينقطعون عن التعليم، أعمارهم دون سن (16سنة)، لا تقبل بهم المدرسة وتتخلى عنهم الأسرة ولا يحفل بهم المجتمع، سيمتهنون التهريب ونسبة كبيرة منهم في عمر النضج سيكونون في مؤسسات العقاب بسبب الانحراف والجريمة والعنف والإرهاب، هنا تتدخل التربية الوالدية لإعادة تأهيلهم والكشف عن مكبوتاتهم التربوية والاجتماعية وتحريك مكامن الإبداع في شخصياتهم ليستطيع المجتمع أن يستفيد من قدراتهم ويتجنب الإذاية من سلوكات يمكن أن تهدد السلم الإجتماعي.
ـ إصلاح الأجيال وإن تقتضي تفعيل دور الآباء إلا أنه مرهون بوجود مؤسسات أخرى، هل من تنسيق بين مركزكم وجهات معينة؟، وكيف يتم ذلك؟
المركز العربي للتربية الوالدية في تجربته وجد التعاون الوثيق مع كل مؤسسات الدولة ومع كل المؤسسات المتدخلة في الشأن التربوي والأسري والإجتماعي، بل إن معظم أنشطة المركز العربي للتربية الوالدية تقام في فضاءات الدولة مثل دور الشباب ودور الثقافة وحتى فضاءات المعتمديات والولايات أو المدارس أو المعاهد أو الجامعات، أي أن أنشطة المركز العربي للتربية الوالدية تقام بحضور كل الأطراف المتدخلة وبتنسيق مسبق ويقوم المركز العربي للتربية الوالدية في تونس بدور محوري في تلطيف العلاقة ما بين الشباب والكفاءات الشابة ومؤسسات الدولة فقد ساهمنا في تجنيب البلاد التوظيف السيء لفئة الشباب في مجتمع غالبيته شباب وقمنا بتأطيره في المركز العربي للتربية الوالدية لصالح الوطن والديار، والتركيبة البشرية والهيكلية المركز العربي للتربية الوالدية أساسا تتكون من الشباب والكفاءات الشابة من كل الجهات ومن كل المجالات العلمية والإقتصادية، فمثلا المؤتمر الدولي الذي عقده المركز العربي للتربية الوالدية بالعاصمة التونسية في ديسمبر الفارط، كان من تنظيم الشباب الذين تتراوح اعمارهم ما بين 20 و25 سنة، المركز العربي للتربية الوالدية يساعد بطريقته في تأطير كفاءات شابة ومن الإناث والذكور لتستقيد منهم الدولة في مرحلة من المراحل عندما تسند لهم المسؤولية في المجالات التي تحتاجهم فيها الدولة وهذا يؤسس لمستقبل أفضل لكل الأجيال ولكل الجهات ويساهم في التقدم بالفرد والأسرة والمجتمع والدولة.
حصلتم مؤخرا على العضوية في المجلس العلمي للمركز العربي للدراسات والتمكين ومقره الرئيسي باليمن، ماذا يقدم لكم هذه العضوية؟
العضوية في المجلس العلمي والمركز العربي للدراسات والتمكين ومقره الرئيسي اليمن هو فرصة ثمينة لتفعيل الدبلوماسية العلمية بين النخبة العربية في مرحلة أولى وبين النخبة العالمية في مرحلة متقدمة، وهذا اعتراف من النخبة العلمية داخل البلاد العربية وخارجها بأهمية الدور الذي نقوم به داخل الجامعة التونسية وخارجها وداخل المجتمع التونسي وخارجه فالكل يتابع عبر المواقع الإجتماعية والعالم يراقب بدقة كل ما يحدث من تقدمات ومن هنات داخل البلاد العربية وخارجها، والعضوية في المجلس العلمي لمراكز بحثية دولية هو اعتراف بأن البيئة الثقافية العربية عموما بإمكانها المساهمة بالعلم والتربية والمعرفة الرفيعة في بناء الصرح الإنساني، والجمع بين النشاط الأكاديمي الصارم في الجامعة والنشاط في المجتمع المدني يتطلب شخصية علمية مطلعة ومتمكنة وأيضا شخصية مدنية مرنة وسلسة ولها وعي بمقتضيات التعامل مع مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، ونحن في خدمة أسرنا ومجتمعاتنا واوطاننا وفي خدمة الإنسانية جمعاء وقد نجحنا في التعريف بأهمية التربية الوالدية وتبنت الأمم المتحدة مشروعنا في التربية الوالدية سنة 2018 لتتحول التربية الوالدية إلى مشروع يطبق في كل الدول إلى سنة 2030 وقد تمت دعوتي سنة 2018 من طرف الأمم المتحدة لشرح طرق تنزيل مشروع التربية الوالدية في الواقع.
سيصدر لكم كتاب جديد تحت عنوان التربية عند لوك و روسو و كانت .. حدثنا عن فحوى هذا الاصدار الجديد.
مؤلف تربوي جديد من إنتاجي بعنوان التربية عند لوك وروسو وكانط، هو كتاب مختص يتناول مقارنة بين لوك وهو انجليزي وروسو وهو فرنسي وكانط وهو ألماني في تصور كل واحد منهم للتربية وهؤلاء الفلاسفة الثلاثة أثروا في الفكر الأوروبي الحديث والمعاصر وكان لهم الفضل الكبير في تقدم أوربا والكشف عن خصال كل واحد منهم يساعد مجتمعاتنا على التقدم والانتباه إلى مواطن القوة عند هذه النخبة من الفلاسفة فالتربية عند لوك يلخصها في تربية العقل والتربية عند روسو يختزلها في التربية على الحرية والتربية عند كانط تعني عنده التربية على الأخلاق، ويصلح هذا المؤلف التربوي المختص لكل القراء فلغته عربية سهلة وواضحة ويفيد كثيرا الباحثين المختصين في الجامعة خاصة في مستوى الماجستير والدكتوراه
ـ لكم واسع الحرية في إنهاء هذا الحوار، تفضلوا سيدي..
خير الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ومعناه في ظاهر لفظه، شكرا لجريدة الحوار الجزائرية، شكرا للسيد رئيس التحرير المحترم نوالدين علواش على رفعة الأسئلة وعمقها وراهنيتها.. تحياتي ومحبتي لكل القراء ولكل الأشقاء داخل الجزائر الشقيقة وخارجها.
خاورة نور الدين علواش
التدوينة رئيس المركز العربي للتربية الوالدية بتونس بشير العواني في لقاء مع “الحوار”: المنظومة التربوية والأسرية والمجتمعية تحتاج إلى مراجعات عميقة ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.