حاج  بن دوخة

الشهر الفضيل أيام قابلة للعد، لكنه ببركات خارج قبضة العد، كله أفضال وجود وكرم وعطاء، سلطان السخاء في السماء، كريم مقتدر، رحيم بالعباد ولطيف، يجزي الصابر أحسن الجزاء، وخص الصبر برفقة حصرية، إن الله مع الصابرين، فماذا عن الصبر في رمضان؟!

إن الصبر هو الأساس الأكبر لكل خلق جميل، والتنزه من كلِّ خلق رذيل، وهو حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها ابتغاء رضا الله وثوابه، ويدخل فيه الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقدار الله المؤلمة، فلا تتم هذه الثلاثة التي تجمع الدين كله إلا بالصبر:

1 — الطاعات، ومنها الطاعات الشاقة، الجهاد في سبيل الله، العبادات المستمرة، كطلب العلم والمداومة على الأقوال والأفعال النافعة، لا تتم إلا بالصبر عليها، وترويض النفس على الاستمرار عليها وملازمتها، وإذا ضعف الصبر ضعفت هذه الأفعال وربما توارت.

2 — كف النفس عن المعاصي، وبالخصوص المعاصي الملازمة للنفس، لا يمكن هجرها إلا بالصبر والمصابرة على مخالفة الهوى وتحمل مرارته وسطوته.

3 — المصائب حين تنزل بالعبد، ويريد مقابلتها بالرضا والشكر، لا يتم له ذلك إلا بالصبر واحتساب الأجر. ومتى مرن العبد نفسه على الصبر، وروضها على تحمل الشدائد والمصاعب، واجتهد في هذا السعي، ضمن الفلاح والنجاح، وكل من استوطنه الصبر فاز وظفر.

شهر رمضان مدرسة عظيمة، وصرح شامخ، يستلهم منه العبد كثيراً من العبر، والدروس النافعة التي تهذب النفوس وتقوِّمها، فالذي يجنيه الصائمون في هذا الشهر العظيم والمبارك تعويد النفس، وحملها على الصبر، لهذا وصف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، شهر رمضان بشهر الصبر في أكثر من حديث، منها ما رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صوم شهر الصّبر وَثلَاثة أَيّام من كلّ شهر صوم الدّهر” ، فهذا الوصف النبوي للشهر الفضيل راجع لمظاهر الصبر وأنواعه، صبر على طاعة الله، صبر على معصيته وصبر على أقدار الله.

شهر رمضان، شهر الصيام والقيام وإطعام الطعام، شهر تلاوة القران والذكر والدعاء، شهر التوبة والاستغفار والبر والاحسان والجود والكرم، وهي طاعات لا تستقيم الا بالصبر ومقارعة النفس.

في رمضان يكف اللسان عن الكذب والغش والسب والشتم والجدال، وتتوقف الجوارح عن اقتراف المعاصي، وتلج النفس حجرة الصواب، والنأي عن هكذا أفعال يحتاج صبرا حتى نصل محطة الأمان دون انحراف أو زلل.

وفيه يترك الطعام والشراب وجميع المغريات، وحبس النفس عما أباحه الله، والإنسان لا سبيل له غير الصبر أمام نفس تتوق وتثور.

لقد اشتمل رمضان على أنواع الصبر كلها، قال ابن القيم رحمه الله: “والنفس فيها قوتان: قوة الإقدام، وقوة الإحجام، فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكاً عما يضره”.

وقال أيضاً: “فالإنسان منا إذا غلب صبره باعث الهوى والشهوة الْتحق بالملائكة، وإن غلب باعث الهوى والشهوة صبرَه الْتحق بالشياطين، وإن غلب باعث طبعه من الأكل والشرب والجماع صبرَه التحق بالبهائم”.

فالله سبحانه وتعالى أمر بالصبر وأثنى على الصابرين، وأخبر أن لهم المنازل العالية والكرامات الغالية وأنهم يوفون أجرهم بغير حساب، “وبشر الصابرين”، “وإن النصر مع الصبر”.

فإذا كان أهل الدنيا يهوِّن عليهم الصبر على المشقات العظيمة لتحصيل حطامها، فكيف لا يهون على المؤمن الموفق الصبر على ما يحبه الله لحصاد ثمراته ؟!،  ومتى صبر العبد لله مخلصاً في صبره كان الله معه، حرزا وظلا، هذا عهد الله  مع الصابرين، والجائزة، عون وتوفيق وسداد ونصر وتأييد.

 

حاج  بن دوخة

التدوينة الصبر ..عادة وعبادة وسعادة ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.