د.فاروق طيفور
رهان الإنسان في الحياة هو حيازة درجة النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، ويعمل جاهدا بكل ما يستطيع ليكون الأفضل، لكنه في أحيان كثيرة يشغله النجاح في الدنيا والحرص عليها فيغفل عن تحقيق الفلاح في الآخرة وهي دار الخلود، لذلك وضع القرآن الكريم ميزان الحكمة في التعامل بين الدارين فيرسخ لقاعدة ذهبية تقف على جعل العمل والنجاح في الدنيا كجسر للمرور للفلاح في الآخرة فالدنيا هي مزرعة للآخرة، وهذا الذي نحاول أن نؤكده كوعي وصحوة ويقظة لهذا الأنسان في الحياة ليعيش حالة التوازن التي إذا اختلت دفع الثمن.
وفي هذا السياق قال أحد الخبراء: “لكلِّ فلاحٍ أبواب، ولكل صلاح أرباب، ولكلِّ نَجاح أسباب” حددته آية عظيمة في سورة الحج تحدِّثت عن أربعة أسباب أساسية للنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة: الركوع، والسجود، وعبادة الله، ثم فِعل الخيرات، قال تعالى في سورة الحج – ونحن نستقبل موسم الحج -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77].
وقد حددت سورة المؤمنون مواصفات لهؤلاء المفلحين حيث قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 1 – 11]، وقال تعالى في أواخر السورة: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. والمدخل نحو الفلاح الأكيد هو قدرة الإنسان على التحكم في نفسه واتخاذ قرارات جريئة وحاسمة ويومية مع نفسه، إنه باب التوبة الذي يقود نحو الفلاح، فهو طريق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتوب إلى الله تعالى في اليوم مئة مرة ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31].
كما أن موالاة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه، وبناء الولاء والبراء على منهاج النبوة هو مدخل آخر لتحقيق الفلاح، فضلا على إيثار الغير على النفس، والتخلص من شح النفس وبخلها ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9] وفي الآية الأخرى ﴿وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [التغابن: 16].
إن بناء ذهنية المسلم الناجح المتميز في الدنيا وهو يسير من نجاح إلى نجاح وصولا إلى الفوز بإحدى الحسنيين هو مسار يوفره لنا شهر رمضان الكريم الذي يبشر عند نهايته بالحصول على الجائزة والعتق من النار، فضلا على أن الله سبحانه وتعالى استخدم خطاب لعلكم تفلحون في نهاية الآيات التي تحدد الخطوات العملية لتحقيق هذا الفلاح لعلنا ولعلكم تفلحون.
التدوينة وعي لعلهم (06): لعلهم يفلحون ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.