بقلم: لؤي صوالحة فلسطين
في يوم المرأة العالمي، تُحتفى النساء حول العالم بإنجازاتهن وحقوقهن، ولكن كيف يكون هذا اليوم للمرأة الفلسطينية؟ كيف تحتفل من تعيش تحت نيران الاحتلال، من تواجه الحصار والجوع والسجن، من فقدت الأب والابن والزوج والأخ والأخت؟ كيف يكون لها يومٌ مخصصٌ للاحتفال وهي التي تعيش كل يوم في مواجهة الموت؟ الثامن من آذار بالنسبة للمرأة الفلسطينية ليس مناسبة للاحتفاء، بل هو محطة أخرى من محطات نضالها المستمر، يومٌ يُضاف إلى سجل تضحياتها الطويل، الذي لم يُكتب بالحبر، بل كُتب بالدم والصمود.
منذ نكبة عام 1948، والمرأة الفلسطينية جزءٌ أصيلٌ من النضال الوطني، لم تكن شاهدة على الأحداث فقط، بل كانت صانعتها. خرجت في المظاهرات، حملت السلاح، دعمت الثوار، حمت المقاومين، ودفعت ثمن صمودها على هذه الأرض من دمها ودم أحبّتها. كانت الأم التي تُودع أبناءها إلى ميادين القتال دون أن تعرف إن كانوا سيعودون، وكانت الأخت التي تزور أخاها في المعتقلات لتمدّه بالقوة والأمل، وكانت الزوجة التي انتظرت زوجها الأسير عقودًا دون أن تكلّ أو تملّ. كانت وما زالت، الركن الذي يستند إليه الرجال حين تشتد المحن، والقلب الذي ينبض بحب الوطن حتى آخر نبضة.
في الانتفاضة الأولى، كانت المرأة الفلسطينية في طليعة المشهد، تُواجه جنود الاحتلال بالحجارة، تقود المظاهرات، وتنظم صفوف الثوار. لم يكن دورها أقل شأنًا من دور الرجل، بل في كثير من الأحيان، كانت هي المحرك الرئيسي للثورة، تؤمن بأن النضال ليس خيارًا بل قدرٌ لا مفر منه. وفي الانتفاضة الثانية، كانت المرأة هي الأم التي تودّع أبناءها الشهداء، وهي الصحفية التي تنقل الحقيقة للعالم، وهي الطبيبة التي تُسعف الجرحى، وهي الأسيرة التي تواجه أقسى أنواع التعذيب في سجون الاحتلال.
اليوم، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، تجد المرأة نفسها أمام معركة جديدة، معركة البقاء. تُدير بيتها وسط الدمار، تبحث عن لقمة العيش لأطفالها في ظل الحصار، تحمي أبناءها من قصف الطائرات، وتُحاول أن تمنحهم حياةً طبيعيةً وسط اللامعقول. هي الأم التي تُودع أبناءها إلى المدارس وهي تعلم أنهم قد لا يعودون، وهي الزوجة التي تستيقظ في منتصف الليل على أصوات القصف، تُمسك بيد أطفالها وتحاول أن تهدئ من روعهم، بينما قلبها يرتجف خوفًا مما قد يأتي.
في سجون الاحتلال، تعيش الأسيرات الفلسطينيات ظروفًا قاسيةً لا يمكن تخيّلها. تُحرم الأسيرات من أبسط حقوقهن الإنسانية، يتعرضن للتعذيب الجسدي والنفسي، للعزل الانفرادي، للحرمان من الزيارات، وحتى للحرمان من العلاج الطبي. ورغم كل ذلك، تبقى إرادتهن أقوى من القضبان، تبقى عيونهن مشدودة إلى السماء، تنتظر يوم الحرية، يوم تنتصر فلسطين على جلاديها.
المرأة الفلسطينية ليست فقط ضحية الاحتلال، بل هي أيضًا رمزٌ للمقاومة، تُقاوم بكل الطرق الممكنة، بالكلمة، بالصوت، بالكتابة، بالعمل، بالتعليم، وحتى بالصمت حين يكون الصمت أقوى من كل الكلمات. لم تكن يومًا ضعيفة، لم تكن يومًا مستسلمة، بل كانت دومًا كتلةً من الصمود، جبلًا لا تهزه العواصف، نارًا لا تنطفئ، روحًا لا تُقهر.
في يوم المرأة العالمي، قد تُكرّم النساء في مختلف دول العالم بالورود والهدايا، أما المرأة الفلسطينية فتكريمها الحقيقي يكون حين ترى وطنها حرًا، حين تعود إلى بيتها دون أن تخشى هدمه، حين تمشي في شوارع مدينتها دون أن تخاف من رصاص الاحتلال. يومها الحقيقي ليس الثامن من آذار، بل يوم التحرير، يوم تتحرر فلسطين من الاحتلال، يوم تُرفع أعلام النصر، يوم يعود الأسرى إلى بيوتهم، يوم تتوقف الدموع في عيون الأمهات، يوم تضحك الفتيات دون خوف، يوم تعيش المرأة الفلسطينية حياةً طبيعيةً كباقي نساء العالم.
حتى ذلك اليوم، ستظل المرأة الفلسطينية تقف في الصفوف الأولى، تُحارب من أجل الحرية، تُناضل من أجل الكرامة، وتُسطر بدمها وصبرها وتضحياتها تاريخًا لن يُمحى، تاريخًا سيظل شاهدًا على قوتها، على عظمتها، على أنها لم تكن يومًا هامشًا في هذه القضية، بل كانت دومًا العنوان الرئيسي، وكانت دومًا القلب النابض لفلسطين.
التدوينة المرأة الفلسطينية: صمودٌ في وجه الاحتلال وتاريخٌ يُسَطَّرُ بالدم والنضال ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.