د.فاروق طيفور

الذكر  بالصورة التي تحدث عنها القرآن الكريم سر من الأسرار لأنه يتعلق برابطة مباشرة بين العبد وربه وهو مايبرز في الآية والحديث حيث قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُون}. وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ”. وما في نص الآية والحديث من معان ظاهرة ما يغني عن شرحهما، لكني فقط أذكر قصة تعين على تدبر المعنى المراد، عن أُبَيِّ بن كعب، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال له: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ”. قال: وَذُكِرْتُ هُنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ وَجَعَلَ يَبْكِي (رضي الله عنه).

ومن أبرز المعالجات التي يقدمها الذكر للإنسان هو ضمان صحته النفسية وتحقيق طمأنة القلب كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}. قال السعدي في تفسيره: (ثم ذكر تعالى علامة المؤمنين فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}  أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها. {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}  أي: حقيق بها وحريٌّ ألّا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له.

إن مصير المعرضين عن ذكر الله خطير في الدنيا والآخرة وهو ماورد في حوار الله مع أحد المعرضين: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى، قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).

قال سيد قطب في وصف سيمائي لحالة الاعراض في ظلاله: والحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة، ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع، إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه، ضنك الحيرة والقلق والشك، ضنك الحرص والحذر: الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت، ضنك الجري وراء بارق المطامع والحسرة على كل ما يفوت، وما يشعر القلب بطمأنينة الاستقرار إلا في رحاب الله، وما يحس راحة الثقة إلا وهو مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.

إن طمأنينة الإيمان تضاعف الحياة طولا وعرضا وعمقا وسعة، والحرمان منه شقوة لا تعدلها شقوة الفقر والحرمان.

(ومن أعرض عن ذكري) وانقطع عن الاتصال بي (فإن له معيشة ضنكا).

(ونحشره يوم القيامة أعمى) وذلك ضلال من نوع ضلاله في الدنيا، وذلك جزاء على إعراضه عن الذكر في الأولى.

هل علمت لماذا استخدم القرآن الكريم عبارة (لعلهم يتذكرون )، لعلنا نتذكر (أن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد).

التدوينة وعي لعلهم (07): لعلهم يتذكرون (02) ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.