نور الشمس نعيمي

 

قال تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (النور:22).

التسامح والعفو  من صفة الكرام، ومن الأخلاق الفاضلة التي حثنا عليه ديننا الحنيف ونبينا الكريم عليه الصلاة والسلام ولا يجوز أن يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث وفي هذا يقول ﷺ في حديث أبي أيوب: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

التسامح من المبادىء الإنسانية التي جعلها الإسلام واقعا معاش، يتعامل به المسلم في حياته لينسى كل الآلام ويتناساها بإرادته، ويحاول أن يغض النظر عن الأذى الذي قد ألحق به جراء عصبية الآخرين ويسامح ليجعل الماء الراكد يتحرك ويمضي في مساره المعتاد.

 

التسامح لغة: هو العفو والحِلم واللين والمسامحة والمساهلة

واصطلاحا هو: الصفح والعفو والإحسان في التعامل مع الآخرين بغض النظر عن الاختلاف الذي قد يكون بينهم في مجالات عديدة ومختلفة.

وقد جعله الشرع منهاجا لتعامل المسلم مع أخيه، ويتجلى ذلك حين لا يقابل الإساءة بالإساءة ويحرص على التمسك بالأخلاق الفاضلة التي ترعرع عليها منذ نعومة أظافره وحثنا عليها ديننا الحنيف والتي تعود علينا وعلى مجتمعنا بفوائد شتى وبخير كبير .

والتسامح والعفو يعتبران أيضا كالديمقراطية نجد فيهما حرية التعبير في الرأي ونجمح فيها للمساواة والاحترام فيما بيننا وعدم إلحاق الأذى بمن حولنا

وللتسامح أهمية فعالة للفرد والمجتمع، فبامكان الفرد التخلص من تعصبه وأخطائه وهذا بفتح حوار بينه وبين ذاته للتخلص من الشوائب العالقة بداخله وبهذا يفتح مجالا للتسامح بينه وبين نفسه وتصحيح  الرضوض التي بإمكانها أن تطبب وتعالج في وقت قصير.

وماأجمل أن نقابل الإساءة بالعفو والتسامح لنبني أفرادا أقوياء الشخصية ومجتمعات راقية يحكمها العقل ويلجمها الدين بكل مايحتويه من قيمة ودروس وعبر.

التسامح يلغي صفة ليست مستحبة في ديننا وهي الكره بين الأفراد والحد من المشاكل المتراكمة بين الإخوة والأصدقاء في المجتمع الواحد والتي معظمها نتاج سوء الظن والخوف من أخذ الخطوة الأولى لفك النزاع وهو الاعتذار.

لو فكرنا لوهلة لوجدنا أن الاعتذار من شيم الكبار والتسامح أجره وثوابه كبير، فهو من يجعلنا ننسى الكره ونتقبل اختلاف الآراء ونحافظ على الاحترام المتبادل بيننا ونقلل من الصراعات التي قد تؤدي في الكثير من الأحيان إلى مالا يحمد عقباه.

وللتسامح آثار إيجابية تعود على الشخص المتسامح بالسعادة والراحة والطمأنينة وتشعره بالرضا والاكتفاء، فيقابل الناس بكل محبة وإخاء. والتسامح أيضا يؤدي إلى إزالة الأحقاد وينقذ الناس من كيد الغضب ويجعل الحِلم يحل محل التعصب. ولهذا حث الإسلام الناس على الصفح والتسامح حتى في القصاص وهو من أصعب حالات التسامح لارتباطه بفقدان شخص عزيز قال الله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

والانسان المتسامح يكسب رضا الله، فمن أحب الناس ورضي لهم الخير أحبه الله والإسلام لم يدع للتسامح فحسب، بل حث على مقابلة الإساءة بالحسنة لأنها ترص العلاقات الإنسانية ببعضها البعض وتبعث المودة بين الأشخاص.

 

وللتسامح شروط ومن بينها:

-أن لا تحكم على الآخرين من أول رأي لكن اترك لهم الفرصة للتعبير عن آرائهم بكل حرية ولا تجعل من نفسك ربا لتحاسبهم فرب العباد من له الحق في محاسبة خلقه.

-كن إيجابيا وحاول أن تتزود بروح الحوار إن وجدت نفسك مخطىئا ليس عيبا أن تعتذر وتقل إن الخطأ مني وليس منكم.

-إبدأ بالتسامح ولا تتلكأ في طلب السماح

-اترك مجالا الحوار كي تحدد نقاط الاختلاف وبعدها يتم الإلمام بها ومعالجتها بكل مودة واحترام

-أن تؤمن أن التسامح قوة وليس ضعفا بين الأفراد والمجتمعات

-لا تضع شروطا للتسامح ولا عقبات واجعله خالصا لوجه الله لأن الله يسامح فمن نحن أمام عظمته كي لا نسامح.

وهناك مواقف وقصص للرسول صلى الله عليه وسلم على التسامح ومن بينها هذه القصة

كان رسول الله “صلى الله عليه وسلم” يجاوره جار يهودي، وكان اليهودي يحاول أن يؤذي الرسول “صلى الله عليه وسلم”، ولكن لا يستطيع خوفًا من بطش أصحاب النبي، فما كان أمامه إلا الليل والناس جميعاً نيام، حيث كان يأخذ الشوك والقاذورات ويرمي بها عند بيت الرسول وحين يستيقظ رسولنا الكريم يجد هذه القاذورات، كان يضحك “صلى الله عليه وسلم”، ويعرف أن الفاعل جاره اليهودي، فكان نبينا الكريم “صلى الله عليه وسلم” يزيح القاذورات عن منزله ويعامله برحمة ورفق، ولا يقابل إساءته بالإساءة، ولم يتوقَّف اليهودي عن عادته حتى مرض وجاءته حمى خبيثة، فظلَّ ملازمًا الفراش يعتصر ألمًا من الحمى حتى كادت توشك بخلاصه.

وبينما كان اليهودي بداره سمع صوت الرسول “صلى الله عليه وسلم” يضرب الباب يستأذن في الدخول، فأذِن له اليهودي فدخل صلوات الله عليه وسلم على جاره اليهودي وتمنّى له الشفاء، فسأل اليهودي الرسول  وما أدراك يا محمد أني مريض؟؟ فضحك الرسول “صلى الله عليه وسلم” وقال له: عادتك التي انقطعت (يقصد نبينا الكريم القاذورات التي يرميها اليهودي أمام بابه)، فبكى اليهودي بكاءً حارًا من طيب أخلاق الرسول الكريم “صلى الله عليه وسلم” وتسامحه، فنطق الشهادتين ودخل في دين الإسلام

فلنقتدي بخير خلق الله في معاملاته مع أشد خصومه، ولنكن دائما متسامحين ولنقابل الإساءة بالحسنة ونبتسم دائما فالابتسامة في وجه أخيك صدقة.

 

 

التدوينة نعمة التسامح ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.