د/عطاءالله فشار

لطالما كان شهر رمضان محطة للتأمل والعبادة والتواصل العائلي، إلا أن العصر الرقمي فرض تحولًا كبيرًا على الفرصة التعبدية الرمضانية. ومع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبحت التكنولوجيا تؤثر بعمق في طريقة ممارسة الشعائر الدينية، أنماط الاستهلاك، وحتى في فهم الخطاب الديني. فهل يعزز الذكاء الاصطناعي روحانية رمضان أم يسهم في تسطيح معانيه؟

 

الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني

لعب الذكاء الاصطناعي دورًا متزايدًا في نشر المعرفة الدينية خلال رمضان. فتطبيقات الذكاء الاصطناعي تقدم فتاوى فورية، تفسيرات للقرآن، وحتى خطبًا دينية مصممة بناءً على اهتمامات المستخدم. كما أصبحنا نشهد مساجد رقمية تقدم دروسًا عبر منصات الذكاء الاصطناعي التفاعلية، مما يطرح تساؤلات حول تأثير هذه الأدوات على عمق التجربة الدينية. فهل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي بديلًا عن الشيوخ والعلماء، أم أنه مجرد مكمل للمعرفة التقليدية؟

 

العبادات بين الروحانية والتكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي لم يقتصر على نشر المعرفة، بل دخل في صلب العبادات الرمضانية. تطبيقات التذكير بالصلاة والأذكار، المصاحف الصوتية التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين التلاوة، وحتى  أئمة افتراضيون قادرون على تلاوة القرآن بصوتيات تحاكي القرّاء المشهورين، كلها وسائل تسهم في تسهيل أداء العبادات. لكن السؤال الأهم: هل تقربنا هذه الأدوات من روحانية رمضان أم تخلق حالة من الاعتماد الآلي تقلل من التفاعل الشخصي مع العبادات؟

 

استهلاك ذكي أم استهلاك مفرط؟

رمضان ارتبط تقليديًا بالاعتدال، لكن التحولات الرقمية أدخلت أبعادًا جديدة للاستهلاك. أدوات الذكاء الاصطناعي باتت تُستخدم لتحديد أفضل وصفات الطعام بناءً على العادات الغذائية للمستخدم، وتحليل النمط الغذائي الصحي خلال الصيام. وفي المقابل، تعمل خوارزميات التسويق على تعزيز النزعة الاستهلاكية، حيث تغمر الإعلانات الرقمية المستخدمين بعروض الإفطار والسحور، مما يحوّل رمضان إلى موسم استهلاكي بامتياز.

 

الترفيه والذكاء الاصطناعي في رمضان

لم يعد الترفيه في رمضان يقتصر على المسلسلات والبرامج التقليدية، بل أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من المحتوى الذي يشاهده الصائمون. منصات البث الذكي تقترح البرامج وفقًا لأنماط المشاهدة، وأصبحت هناك شخصيات افتراضية تقدم محتوى ترفيهيًا ودينيًا مخصصًا لكل فرد. ومع ذلك، يطرح هذا الواقع تحديًا مهمًا: هل يؤدي هذا النوع من المحتوى إلى تعميق القيم الرمضانية أم إلى تقليص البعد التأملي والتعبدي للشهر الكريم؟

 

بين الرقمنة والروحانية

التطور التكنولوجي لا يمكن إيقافه، لكن السؤال الحقيقي هو: كيف نوازن بين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي والحفاظ على روحانية رمضان؟ هل يمكن استخدام هذه الأدوات لتعزيز الوعي الديني والروحي، أم أنها ستُدخلنا في دوامة من الاعتماد الرقمي الذي يُفرغ الشهر من معانيه العميقة؟

إن رمضان في عصر الذكاء الاصطناعي هو تجربة جديدة، تحمل فرصًا وتحديات. فإذا استُخدمت التكنولوجيا بحكمة، فقد تعزز علاقتنا بالشهر الكريم، أما إذا سيطرت علينا، فقد نحول رمضان إلى مجرد تجربة رقمية تفتقد لروحانيتها. المسألة ليست في الذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل في كيفية تعاملنا معه وتوجيهه ليكون وسيلة دعم، لا أداة استلاب.

التدوينة رمضان في عصر الذكاء الاصطناعي ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.