حاج بن دوخة
الأرقام القياسية الذي تحتفظ بها موسوعة غينيس وتقابلها بالفخر والتغني لا معنى لها أمام رقم الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي أزال الفقر واقتلعه من الجذور في ظرف قياسي وجيز أقل من سرعة الضوء في دولة واسعة الأرجاء ومترامية الأطراف، فقد كان المنادي يوفد إلى المدن بحثا عن معوزين أو ذوي حاجة وخصاصة، فيرجع خائبا بماله حائرا ماذا يفعل به، والجليل في عهدة الخليفة، أن المسلمين نسوا فعلا موقع تواجد بيت المال، فَعَمٓ الرخاء في كل جغرافيا الدولة، وامتد رغد العيش إلى الطير، والبهيمة والأنعام، في واحدة من أسطع صور الرفاهية في تاريخ الأدميين لم تألفها أرض الخليقة من قبل ولا نعتقد أنها تتكرر.
هذا الخليفة لم يكن في حاجة إلى ريع النفط، أو تحصيلات الضرائب، أو الرسوم، أو إلى عوائد البنوك وقروض صندوق النقد الدولي، أو البنك العالمي وباقي الهيئات المزيفة والمصطنعة بهتانا، كي يصل بأمته ورعيته إلى سقف العيش المريح والكريم والمرفه، لكنه نجح في إحداث إنقلاب إسلامي حصري، فكان التاريخ على موعد مع أول إقلاع اقتصادي شامل، احتضنته بقوة صفحات الزمن، أفرز طفرة مشهودة في سلوك الحاكم والمسؤول وقذف بالمسرات إلى الزحف إلى بيوت الرعية بيتا بيتا، فعلا إنه العهد الجديد لكيان الدولة، وسبق في وظائفها، لا علاقة له بالمرة بأوراق اليوم التي تسيل لعاب كبار المنظرين وفقهاء السياسة، لكنه نتيجة حتمية لالتزام الخليفة بقيم جاد بها الدين الحنيف، لم تكن معروفة أو مألوفة في قواميس الغابرين ونواميس العابرين:
1ـ لم يلهث أبدا وراء السلطة، فقد جاءته صغيرة ذليلة تتوسل .
2 ـ كان شديد الإلتزام بأحكام الدين.
3 ـ قَبٍلَ أن يعيش مظاهر الفقر ورضي على نفسه يوميات العوز في زمانه، وهو الآمر الناهي.
4 ـ أقام العدل ورد المظالم.
5 ـ جعل من خوف الله شرطا أساسيا لتولي المناصب وتقلد المسؤوليات.
بون واسع بين اليقين والسراب وبين الإيمان والريبة، فمن رحم الفوضى وجوف العوز وصلب النعرات، أخرج عمر بن عبد العزيز نموذج دولة الرفاه التي بٌهِتَ بها سلطان التاريخ، وعجز العالم المتقدم عن تقديم نسخة لها ولو في المستويات الدنيا، رغم سخاء النظريات والمقاربات التي تبحث ظاهرة المجتمعات السياسية، وتهتم بالكيانات المنظمة.
شروط تولي الحُكْم تتخطى المألوف المادي إلى مواصفات روحية ووجدانية وخلقية وقيمية، تزيد من مقام الحاكم وتعزز فرص نجاحه في ممارسة السلطة، إنها الكاريزما الحصرية الغائبة عند الأقران، نهلت بنودها من القرآن وجعلت خشيتها من الرحمان، وانصب اهتمامها إلى حرمة الإنسان، والمحصلة محطة بر وأمان وحقيقة الإنسان.
التدوينة الولادة الإسلامية ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.