في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي المفتوح على الشعب الفلسطيني، يتضح أن الاحتلال لا يكتفي بممارسة القتل والتهجير، بل يسعى أيضًا إلى طمس الحقيقة والتغطية على جرائمه. يأتي ذلك من خلال مشاريع قوانين تهدف إلى تجريم توثيق الجرائم الحربية الإسرائيلية، ومنع التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، في محاولة واضحة لمصادرة الحقيقة ومنع مساءلة الاحتلال عن الفظائع التي يرتكبها.

إن توثيق جرائم الإبادة الصهيونية ليس مجرد عمل إعلامي أو حقوقي، بل هو واجب وطني وإنساني يهدف إلى كشف الحقيقة وحفظ الذاكرة الفلسطينية من محاولات الطمس والتزوير، فقد أثبت التاريخ أن الأنظمة الاستعمارية والاستبدادية تحاول دائمًا إخفاء جرائمها، لكن الحقيقة تبقى عصية على الاندثار حين يتم توثيقها ونشرها على نطاق واسع.

 

الأهمية القانونية للتوثيق

 

يعد التوثيق أداة أساسية في ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، وعلى رأسها المحكمة الجنائية الدولية. فالجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية، والتي تشمل القصف العشوائي، استهداف المدنيين، استخدام الأسلحة المحرمة، والتهجير القسري، كلها جرائم تندرج تحت تصنيفجرائم الحربوالجرائم ضد الإنسانيةوفق القانون الدولي. إن توثيق هذه الجرائم بالصور، ومقاطع الفيديو، والتقارير الحقوقية، والشهادات الحية، يوفر أدلة دامغة يمكن استخدامها لمحاسبة الاحتلال مستقبلًا، مهما حاول الالتفاف على العدالة.

 

الأهمية التاريخية والثقافية للتوثيق

 

إن الرواية التاريخية تُكتب بناءً على الأدلة والوثائق، وإذا لم يقم الفلسطينيون والعالم الحر بتوثيق الجرائم الصهيونية بشكل دقيق، فسيتمكن الاحتلال من إعادة كتابة الأحداث وفقًا لرؤيته، كما فعل مرارًا منذ نكبة 1948. لقد حاولت إسرائيل طمس معالم القرى المهجرة، وتزوير أسماء المدن الفلسطينية، وترويج سرديات مضللة حول طبيعة الصراع، لكن التوثيق الفلسطيني المستمر كان سدًّا منيعًا أمام محاولات التزييف.

علاوة على ذلك، فإن توثيق الإبادة الصهيونية يشكل عنصرًا أساسيًا في تعزيز الوعي الوطني الفلسطيني، حيث يمنح الأجيال القادمة معرفة دقيقة بما حدث، ويؤسس لثقافة مقاومة تقوم على إدراك الحقائق لا على الروايات المشوهة.

 

الأهمية الاستراتيجية لإطلاق منصة توثيقية

 

في ضوء تصاعد الهجمات الإسرائيلية، أصبح من الضروري إنشاء منصة إعلامية متخصصة في توثيق الإبادة الصهيونية، بحيث تكون مرجعًا عالميًا يوثق الجرائم لحظة بلحظة، ويرصد الأدلة بالصوت والصورة، ويضمن وصولها إلى الإعلام العالمي والمؤسسات الحقوقية الدولية.

يجب أن تكون هذه المنصة ذات طابع احترافي، تتضمن قاعدة بيانات متكاملة، وتقدم تقارير موثقة بلغات متعددة، لضمان وصول الحقيقة إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور الدولي. فإسرائيل تعتمد على التفوق الإعلامي في تبرير جرائمها، ولا يمكن مواجهة ذلك إلا بإعلام فلسطيني موثق ومهني يفضح زيف الرواية الصهيونية.

إن معركة توثيق جرائم الاحتلال هي جزء لا يتجزأ من معركة التحرر الوطني. فكما أن المقاومة المسلحة والسياسية ضرورية، فإن المقاومة الإعلامية والتوثيقية لا تقل أهمية، لأنها تضمن بقاء القضية الفلسطينية حية في الذاكرة العالمية، وتحول دون إفلات المجرمين الإسرائيليين من العقاب. مهما حاول الاحتلال حجب الحقيقة، فإن جرائمه ستظل موثقة، وستكون يومًا ما أدلة دامغة لمحاسبته أمام العدالة الدولية.

التدوينة توثيق الإبادة الصهيونية: مسؤولية تاريخية وقانونية وأخلاقية…! ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.