قيل لحكيمٍ: متى العيدُ؟ فقال: يومَ لا نعصي الله! فعد إلينا، أيها العيدُ، إن استطعتَ، فقد أعيانا الحزن، وأرهقتنا الجراح، وما زالت أوطاننا رهينةَ النواح!
عدتَ، ولكن ما عادت القدسُ حرة، ولا تنفّست غزةُ الصعداء، بل زادها المحتلُّ قهراً وبؤساً، وأثخنها بالجراح، فلم تعد ترى في سماء العيدِ إلا سربَ طائراتٍ تقصف، ولا تسمع في مساجدها إلا أنينَ الثكالى وصرخاتِ اليتامى.
عدتَ، أيها العيد، ولكن حكامَ العربِ لم يتوبوا من ذنبِ التطبيع، ولم يغسلوا أيديهم من خيانةٍ ألبسوها ثوبَ السلام. يمدّون أكفَّهم مذعنين، كأنهم ما قرأوا التاريخ، ولم يعرفوا أن الغاصبَ لا يزداد إلا جبروتاً، وأن الذئبَ لا يرعى الغنمَ إلا ليأكلها!
عدتَ، ولكن السودانَ ممزقٌ، قد سالت دماءُ بنيهِ بين فرقاءَ لم يعرفوا للإخوةِ حقّاً، ولا للوطنِ حرمةً! وسوريا ما زالت تترنّحُ تحت وطأةِ الحربِ والألم، يراودها السلامُ كما يراودُ السرابُ الظمآنَ في صحراءَ قاحلة! ولبنانُ جريح، يتنفسُ الدمارَ ويشربُ المرَّ من كأسِ الفسادِ والطائفيةِ العمياء! واليمنُ ما زال يبحثُ عن سعادتِه المفقودة، بين أنقاضِ المدنِ وركامِ الأحلام، يئنُّ من الجوعِ والقهرِ والحربِ التي نهشت أحشاءَه! والعراقُ، آهٍ على العراق! ما زالت جراحُه تنزفُ من غزوٍ غاشم، وطائفيةٍ كادت تمزّقُه أشلاءً، وخياناتٍ جعلته أرضاً للغرباءِ والمستعمرين!
أيها العيدُ، مهلاً! كيفَ نفرحُ وثوبُ العيدِ قد تلطّخَ بدماءِ الشهداءِ؟ كيف نبتسمُ والدمعُ ساكنٌ في الأحداقِ لا يجفّ؟ أَوَ نغنّي للعيدِ، وبيوتُنا مهدَّمةٌ، وأطفالُنا مشرَّدون، وأحلامُنا قد دفنتها المجازرُ تحت التراب؟
أيها العيدُ، إن كنتَ حقاً عيداً، فاجعل فلسطينَ عروساً حرةً تتزينُ بالنصر، واجعل بغدادَ تستعيدُ مجدَها، وامنح الشامَ طمأنينةً لا تهزُّها المدافعُ، وردَّ لصنعاءَ ابتسامتَها، وللخرطومِ وحدتَها، وللبنانَ استقرارَه! إن كنتَ حقاً عيداً، فاجعل ليلَ أمتِنا فجراً لا غروبَ له، وازرع في قلوبِ حكّامِها نخوةَ عمرَ بنِ الخطابِ وصلاحِ الدين، بدلَ الذلِّ والهوان!
أيها العيدُ، مهلاً! لا تعُد إلينا إلا ونحن أمةٌ عزيزة، لا تتسوّلُ حقوقَها على موائدِ الأمم، ولا تبيعُ كرامتَها في سوقِ المصالحِ الرخيصة! فإن لم يكن لنا من العيدِ إلا زينةٌ على واجهاتِ المحال، وألعابٌ في أيديِ الصغار، فليس ذاكَ بالعيدِ الذي ننتظره! بل العيدُ، كما قال الحكيم، يومَ لا نعصي الله، يومَ نستعيدُ مجدَنا، ونطهِّرُ أرضَنا، ونرفعُ راياتِنا عاليةً لا تنكسُها رياحُ الغدرِ والخيانة!
أيها العيدُ، انتظرنا… فموعدُنا معك حينَ تتحررُ الأوطانُ، ويزولُ الاحتلالُ، وتنهضُ الأمةُ من كبوتِها، وحينها فقط، يكونُ العيدُ عيداً!
التدوينة أيها العيدُ، مهلاً… ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.