د.فاروق طيفور،

فإذا كان هذا هو معنى الفقه والفهم والعلم ،فان استخدام عبارة لعلهم يفقهون لها دلالات عميقة حري بنا معرفتها سيما إذا أخبر القرآن الكريم عن حالة شلل للحواس المساعدة على الفقه والفهم والعلم وأن الله قد ذرأها لجهنم والعياذ بالله ،يصبح الامر جلل وخطير ،فماهو السر وراء ذلك لعلنا نفقه المقصد والمراد حتى نحوز درجة الفقه في الدين ونتعلم آلية التأويل ،فالاية الكريمة تحمل إشارات هامة في سياق الحالة المذكورة حيث قال تعالى : “وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”.
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا أي: أنشأنا وبثثنا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ صارت البهائم أحسن حالة منهم. لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا أي: لا يصل إليها فقه ولا علم، إلا مجرد قيام الحجة. وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا ما ينفعهم، بل فقدوا منفعتها وفائدتها. وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا سماعا يصل معناه إلى قلوبهم. أُولَئِكَ الذين بهذه الأوصاف القبيحة كَالأنْعَامِ أي: البهائم، التي فقدت العقول، وهؤلاء آثروا ما يفنى على ما يبقى، فسلبوا خاصية العقل. بَلْ هُمْ أَضَلُّ من البهائم، فإن الأنعام مستعملة فيما خلقت له، ولها أذهان، تدرك بها، مضرتها من منفعتها، فلذلك كانت أحسن حالا منهم. أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ الذين غفلوا عن أنفع الأشياء، غفلوا عن الإيمان باللّه وطاعته وذكره. خلقت لهم الأفئدة والأسماع والأبصار، لتكون عونا لهم على القيام بأوامر اللّه وحقوقه، فاستعانوا بها على ضد هذا المقصود. فهؤلاء حقيقون بأن يكونوا ممن ذرأ اللّه لجهنم وخلقهم لها، فخلقهم للنار، وبأعمال أهلها يعملون. وأما من استعمل هذه الجوارح في عبادة اللّه، وانصبغ قلبه بالإيمان باللّه ومحبته، ولم يغفل عن اللّه، فهؤلاء، أهل الجنة، وبأعمال أهل الجنة يعملون.
وقوله تعالى : ( لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ) يعني : ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله [ سببا للهداية ] كما قال تعالى : ( وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله [ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ] ) [ الأحقاف : 26 ] وقال تعالى : ( صم بكم عمي فهم لا يرجعون ) [ البقرة : 18 ] هذا في حق المنافقين ، وقال في حق الكافرين : ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) [ البقرة : 171 ] ولم يكونوا صما بكما عميا إلا عن الهدى ، كما قال تعالى : ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) [ الأنفال : 23 ] وقال : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) [ الحج : 46 ] .
فالقلب ليس مجرد عضو في البدن، أو مضخة للدم، بل له تعلق مباشر بالعقل، وهذا الأمر محل بحث علمي جاد في العصر الحديث، انتهى إلى إثبات حقائق علمية تؤكد عقلانية القلب ووعيه، فهو يفكر، ويدرك، ويشعر، وينقل المعلومات إلى المخ لتتحرك أعضاء البدن.
قال الله تعالى:أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. {الحج:46} ولم يقل: فتكون لهم أدمغة يعقلون بها. ولم يقل : ولكن تعمى الأدمغة التي في الرؤوس، فقد صرح في آية الحج هذه بأن: القلوب هي التي يعقل بها، وما ذلك إلا لأنها محل العقل . ثم أكد ذلك تأكيدا لا يترك شبهة ولا لبسا ؛ فقال تعالى: وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ. فتأمل قوله تعالى: الَّتِي فِي الصُّدُورِ، تفهم ما فيه من التأكيد والإيضاح، ومعناه: أن القلوب التي في الصدور هي التي تعمى إذا سلب الله منها نور العقل، فلا تميز بعد عماها بين الحق والباطل، ولا بين الحسن والقبيح، ولا بين النافع والضار، وهو صريح بأن الذي يميز به كل ذلك هو العقل ومحله في القلب …
ومما سبق يمكننا ان نطرح الصورة التالية عن (الفقه) في القرآن على الصعيد المعرفي :
اولا : ان الفقه درجة متقدمة من العلم يتميز بالفهم والاستيعاب لانّ جوهره التثبّت والتعمق لما حصل عليه الانسان من معرفة.
ثانيا : الفقه ذو موضوعات متعدّدة في القرآن :
1- الكلام العادي‏ {يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه : 28]
2- احكام الدين وقواعده‏ {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة : 122]
3- مظاهر الكون والحياة {هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ …} .
ثالثا : ان الفقه، أي الوعي المعمّق بالكون والحياة ومعاني الكلام ممكن وهو ذو درجات، وقد ينعدم.
رابعا : ان الفقه بعد الفهم، اذ هو ترسيخ وتعميق له.
خامسا : ان العقل اداة الفقه .
من خلال هذه الدرجات التي ارتقى إليها مفهوم يفقهون في القرآن الكريم كل استخدام لعلهم يفقهون على تحدي هؤلاء الذين رزقهم الله حواس العلم والفهم والفقه ولكنهم حرموا من استخدامها الاستخدام التنقل والثحيح فتحولوا من مرتبة الانسان الموصوف بصفات العلم والفهم والفقه الى دركات الحيوان الموصوف بعدم الفقه والعقل بل له له غريزة هي افضل من الانسان الذي ضل وتاه عن إدراك كنه هذا الكون فصار اصما وابحما واعمى عن رؤية هذه الحقائق ، ومع مرور الزمن والوقت على هذا الانسان لم يعد العلم والفهم ينفعه بل لابد له من العمل بما يعلم ،فظاهرة المعرفة اليوم متمكن منها ولكن الضلال الجديد اليوم هم في عدم التطابق بين مانعرفه ونعترف به وبين الافعال والاعمال والممارسات التي نقوم بها فاستحقينا اعادة وتكرار استخدام عبارة لعلهم يفقهون فتتحول معارفهم وعلومهم الى عمليات وبرامج و فعاليات متطابقة مع مايؤمنون به فندخل في حالة الرشد ونخرج نهائيا من حالة الضلال والتيه والتخبط ،هي ذكرى لعلنا ولعلهم يفقهون.

التدوينة وعي لعلهم (12).. لعلهم يفقهون (02) ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.