جاءنا بجلل الأتقياء وورع السعداء، حل علينا بعد ان أبصر لهفنا واستشعر ترقبنا، أشفق علينا وعجل بهلاله وفرض ميقاته، رحم حنيننا له، عانقنا جميعا واحتضننا وبث في كل واحد منا سرا وبرا وبصم له بعداد البركات ودعا له بخير المسرات ، شهر بتمامه وكماله بأيامه ولياليه، بطقوسه وعباداته، بنوره وضيائه، وهبنا رفقته، ومنحنا مجلسه، وقبل وجودنا، ورضي بحضورنا، شاعت البشائر وفاضت السرائر، سطعت النسائم ولاحت الغنائم، تزينت الأرض نقاءا وبهاءا، وتنمقت السماء طلاءا وصفاءا، المساجد وكأنها قبس تبدو سراجا يسر الناظرين، المنابر تصدح حقا والمكبرات تنطق قرءانا، البهجة في عمومها تشهد والنفوس بالإيمان تنهد، الزيارة لبيت المسكين تشهد، ولموضع الضعيف تسرد ، عواطف للذكرى تبدع، وللرشاد تقرع، المجالس بالصواب تشرع، ساد الحديث عن السيرة، ولم ينس الهدي، عشنا زمن الأنبياء في غير زمن الأنبياء، سررنا بالكتاب والمسمع بالأصوات يخشع، رمضان الدين والدنيا ، تجارة للرزق والأخرى لسيد الرزق، البورصة ليست مالا، لكنها يتيما ومسكينا ومحتاجا ومريضا وطفلا وأرملة، …. ، ثلث للرحمة بعده وثلث للمغفرة بحده وثلث للمغفرة بوده، هكذا قسمة رمضان وتركته وارثه، أيام حرم، وحظ من الوتر وليلة قدر وقرآن سكن الصدر.
لكنه تذكر أن له موعد في سنة أخرى، كنا قد ألفناه واعتدنا مدرسته، وحفظنا دروسه، بل عاد جزءا من السجية وركنا من الوجدان، رحل إلى موعد نأمله من الكريم خيرا وجللا ونفعا، رحل وقد حررنا من تجارة الدنيا ومن سطوة حسابها، رحل بعد ان ترك فينا لطفا ورحمة ورأفة، وبعد أن أقنعنا أن الخير رسالة الإنسان والرحمة سلوكه وأن القبلة قد تكون مسكينا او محتاجا.
وداعا يا رمضان وداعا يا خير شهور الله، ننتظرك في عامك القادم بأحوال الأتقياء السعداء وبمشية الرحمان رب السماء.