شراسة الحروب التي شنت على المكتبات، عبر التاريخ، لا تقل ضراوة عن تلك التي مورست ضد الشعوب، فمن مآسي حرق مكتبات بغداد، مدينة بيت الحكمة، إلى حرق مكتبة الجزائر ، كلها جرائم تكشف على الوجه القذر للاستعمار .
يحفظ تاريخ الحرب على الثقافة والمكتبات صور البشاعة التي مارسها المغول حين دخلوا بغداد، فأحرقوا كتبها وألقوا بمخطوطاتها في نهري دجلة ، تحول لون الماء الذي يجري به إلى أسود من لون المداد. كما تروي فجيعة مكتبة الإسكندرية وما تعرضت له من تدمير وحرق ونهب عبر العصور، إضافة إلى ما عاشته مكتبات البوسنة من قبل جيوش ميلوزوفيتش العنصرية الفاشية، مذابح كثيرة تعرضت لها المكتبات عبر التاريخ، فالحروب لا تتوقف عند قتل الإنسان أو تشريده أو تعذيبه بل تذهب إلى اغتيال كل ما يمكنه أن يكون شكلا من أشكال الحلم للمستقبل ويأتي الكتاب في طليعة العناصر التي تصنع مقاومة اليأس وترميم البؤس.
فرنسا الاستعمارية : نهب ،إبادة و استعباد
“عند وصولنا العام 1830 كانت هناك أزيد من مائة مدرسة بمدينة الجزائر و86 بقسنطينة و50 بمدينة تلمسان، كما كان بكل من العاصمة وقسنطينة من 6 إلى 7 مدارس ثانوية كما كان بالجزائر عشر زوايا وهي شكل من أشكال ”الجامعة” بالمفهوم الغربي” .
وشهد شاهد من أهلها، فالاستعمار الفرنسي حين وصل غازيا إلى الجزائر، وجدها وأهلها يعيشون في مجتمع يحترم الكتاب والمكتبات بصفة خاصة والعلم بصفة عامة . فحرصت فرنسا على تجهيله، وتفقيره بكل الطرق .
في 7 جوان 1962 على الساعة منتصف النهار و27 دقيقة، امتدت يد الإجرام الثقافي لتضع ثلاث قنابل داخل المكتبة الجامعية. وبعد ساعات قليلة تحول هذا المعلم التاريخي وما به من كتب ومخطوطات ووثائق إلى كتلة من رماد بارد، تكتب جريدة فرانس- سوار “ألهبة النار تلتهم المكتبة الجامعية، حيث تحترق 600.000 كتاب” وتشهد جريدة لوفيغارو قائلة: ” 500.000 كتاب تم حرقها من أرصدة المكتبة الجامعية بالجزائر” ومثل ذلك تشهد جريدة لوموند قائلة: “قرابة 600.000 مجلد ووثيقة كانت طعما لألهبة النار في المكتبة الجامعية بالجزائر”.
واليوم 07 جوان ، تعود الذكرى ، حرق المكتبة الوطنية في 1962 لم يكن فقط مصيبة على الجزائريين بل كان دليلا قاطعا على إجرام فرنسا التي لطالما كانت تختبئ خلف الوجه الحضاري ، لتظهر على حقيقتها ، حيث تبقى “جريمة الدولة” التي طالت جزءا من ذاكرة الجزائر شاهدة على الطبيعة الاستيطانية والمهمة الحقيرة للاستعمار الذي حاول بكل الطرق طمس تاريخ وهوية هذا البلد.
يذكر أن هذا اليوم ، تم ترسيمه بقرار رئاسي منذ عامين بصفته “يوم المكتبات” كما يتزامن مع اجتماع اللجنة الرئاسية للذاكرة في باريس مع نظيرتها الفرنسة، حيث يعتزم الطرف الجزائري طرح الجرائم الثقافية الفرنسية ضمن محور النقاش ومنها جرائم حرق ونهب المكتبات والمخطوطات، بما فيها تلك التي تمتد إلى ما قبل 1830.
و يعتزم الطرف الجزائري، الدفاع عن الذاكرة الثقافية الجزائرية ، فالجرائم الثقافية تعتبر أخطر من جرائم السلاح، كونها تستهدف كيان وذاكرة الأمة، حيث أقدم الاستعمار على تدمير أزيد من 400 ألف كتاب، لتبقى هذه الجريمة من أبشع الجرائم المرتكبة ضد ذاكرة الشعوب .
التدوينة في ذكرى يوم المكتبات ، عندما تضع الحرب أوزارها تُعلن الذاكرة نضالها ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.