لصناعة المحتوى الرقميّ أهميّة كبيرة في عصرنا الحديث، حيث يؤدّي دورًا مهمًّا في التعليم والتسويق ونشر المعرفة وغيرها، ويشكّل مساحةً أساسيّة وواسعة من حياة الأفراد، ويُعدّ الكاتب والمترجم الأستاذ يونس بن عمارة من بين الشخصيّات الرائدة في هذا المجال، يتميّز بتقديم محتوى ذو كثافة وتنوّع في مختلف المجالات، وتشمل تجربته العديد من الخبرات والإنجازات، إذ يتقن صناعة المحتوى، والترجمة، ومشاركة المعارف في عديد المنصّات على شبكة الإنترنت، من بينها مدوّنته الشخصية التي خاض فيها تحدِّ التدوين بشكل يومي دون انقطاع لأكثر من ثلاث سنوات، ليخرج بتجربة نادرة واستثنائية في الفضاء التدويني العربي والعالمي.

ألّف يونس أربعة كتب، وترجَم ستّة أخرى بين الرواية والطبّ والتاريخ، ويعتبر “مجتمع رديف” من أهمّ وأشهر المشاريع التي أطلَقها لصقل وتبادل مهارات الكتابة وجعلها مصدر ازدهار مادي ومعنوي ومهني، بالإضافة إلى مدوّنته الصوتية “بودكاست يونس توك” التي تُعدّ ضمن النسبة 1 بالمئة الأفضل على مستوى العالم، كما نال يونس بن عمارة المرتبة الأولى في مسابقة مركز بروكنجز الدوحة البحثية للشباب العربي، كما اُختير مشروع “مجتمع رديف” قبل أيّام ضمن القائمة القصيرة لجائزة الإسكوا “التابعة للأمم المتحدة” للمحتوى الرقمي العربي.

يفتح هذا الحوار مع الأستاذ يونس بن عمارة باب تجربته في التدوين، والترجمة، وبعض مشاريعه، على غرار “بودكاست يونس توك” و “مجتمع رديف”، وعن رأيه في جملة من القضايا المتعلّقة بصناعة المحتوى بشكل عام.

يونس بن عمارة؛ جزائري ابن 32 ربيعًا؛ أصف نفسي بأني رائدُ أعمال محتوى أي إستراتيجيّ يُحوِّل المحتوى المنشور على الإنترنت إلى تجارات ناجحة ومزدهرة تدرّ دخلًا وترضي معنويات من ينشئ ذلك المحتوى.

هناك عودة للمدوّنات والتدوين بصورتها التي بدأت بها الإنترنت؛ والسبب في هذه العودة تَغَوُّلُ (من صارت غولًا) الشبكات الاجتماعية؛ فالناس وفق إحصائيات أخيرة قللوا النشر في الشبكات الاجتماعية؛ وأصبحت الشبكات مرعبة من ناحية المحتوى حيث لا يمكن للطفل أو الفتى الناشئ تصفحها دون مراقبة أبوية؛ وأيضًا لَعِب الحنين للماضي (النوستالجيا) دورًا في إحياء هذه النزعة للتدوين على شاكلته القديمة وبعثه من رقاده؛ ولنِعْمَ النزعة هذه النزعة وما أنا إلا أحد المساهمين في بعثها واستمرارها. لاحظ أن الإنترنت -ورغم أن الكثير لا يعلم ذلك لسبب أن الشبكات الاجتماعية أرادت ذلك أيضًا- أكبر من الشبكات الاجتماعية وأقدم منها. وسيستمر بعدها فالشبكات مرحلة من تاريخ الإنترنت وليست -ولن تكون- هي الإنترنت.

هدف التدوين اليومي كان توثيق أكبر قدر ممكن ممّا أستهلكه معرفيًا كي ينتفع به غيري فأنا كثير القراءة ولله الحمد وأحبّ لما أجد معلومة نادرة أو دراسة حديثة أو قصة جميلة مشاركتها مع الآخرين؛ ولتكوين جمهور احتجت أن أدوِّن يوميًا كي أخلق فيهم عادة زيارة مدونتي والعودة لها؛ وقد لاقت التجربة استحسانًا وتشجيعًا أدى لدعمي والتفاعل معي مما حفّزني على الاستمرارية وتجلى ذلك في بدء كثير من المتابعين يومهم بقراءة ما أكتبه يوميًا؛ وحزنهم لما انقطعت عن التدوين اليومي نظرًا للانشغال بمجتمعي الرقمي رديف ومشاريعي فيه.

ضعيفة جدًا وتحتاج الدعم والتشجيع ودعوة المزيد من الجزائريين والجزائريات ليكونوا مدونين ومدونات في الفضاء النصيّ والصوتي أي البودكاست لأنه في المرئي هناك جزائريون يصلون لحد ما للعالم خارج البلاد؛ الناس تعرف مدونين مشارقة ومصريين وشاميين لكن نادرًا ما يعرفون مدونًا جزائريًا نصيًا؛ لذا أسعد دومًا ببزوغ نجم مدوّن نصي جزائري وأفتخر به ويحلو لي هنا ذكر بعض الأسماء اللامعة في الميدان منها على سبيل الذكر لا الحصر: ناصر طارق؛ شروق بن مبارك؛ دليلة رقاي ونادية ميرة وغيرهم.

 

الترجمة فرضٌ وليست خيارًا في هذا العصر، لذا إن أردت أن تكتب ما له قيمة علمية فإن تعلّم الإنجليزية واجب لا يمكنك القفز عليه؛ وقد ساهمتُ بتوفيق من الله بنقل معارف قيمة من الفضاء الغربي للفضاء العربي بلسان عربيّ مبين.

كنتُ أقدّمه أسبوعيًا وفشلتُ في الالتزام الأسبوعي بالنشر فانتقلت للشهري وهو كذلك مُذ فترة؛ وها هنا درسٌ مهم إذ أن فشلك في الالتزام لا يعني أن تتوقف ولو تخفف وتيرة النشر أحسن بكثير من الانقطاع، وبهذه الطريقة وصلت الآن بفضل الله إلى أكثر من 160 حلقة منشورة في مختلف المنصات العالمية ويسمعها الألوف في أنحاء العالم شتى.

السبيل لذلك واضح لكن تنفيذه يحتاج صبرًا وتحمّلًا واستمرارية: أيًا كانت مهارتك اُنشر ما تفعله على الإنترنت؛ استمر في ذلك؛ شاركه؛ اخدم الناس لفترة دون مقابل؛ ثم تعاقد بصفقات مدفوعة بعد أن تكون قد أنشأت معرض أعمال (عينات من أعمالك على الإنترنت). أيضًا التواصل مع العملاء المحتملين (مراسلتهم من نفسك بخدماتهم بغرض التعاقد معهم) نافع جدًا وكفيل بأن يمكّنك من إيجاد عملاء ممتازين سيصيرون لاحقًا أصدقاء لك يفتحون لك أبوابًا لم تكن تحلم بها.

الظهور الإعلامي الذي يعطي دفعة تسويقية ومعنوية لصانع المحتوى، وأشكر الدكتور خالد عزب الذي أتاح لي هذه الفرصة.

ولا شك، ونحتاج المزيد منها كي يربح عدد أكبر من صناع المحتوى الذين يجاهدون بالفعل في دفع عجلة تقدُّم المعارف البشرية.

فضل التسمية يعود للزميل العزيز طارق الموصللي، ومعناه الذي يركبُ خلف السائق في إشارة لدعمنا من يشترك معنا، وهو مجتمع رقمي لتعلّم المهارات عن بعد.

غاية رديف الأساسية هو إضفاء قيمة اقتصادية مُجزية على اللغة العربية؛ بمعنى أن رسالتنا أن نفك أقفال كامل القيمة الاقتصادية التي تحتويها اللغة العربية ونطلق عِنانها بتمكين الناطقين بها من اكتساب مهارات مكتبية قيمة مطلوبة في سوق العمل.

وقد جاءت فكرة رديف بعد استشارة الزملاء والأصدقاء؛ وأسَّستُه بعون الله وحوله وقوته بالمشاركة مع المترجمة والكاتبة الجزائرية القديرة إكرام صغيري؛ وذلك بعد ملاحظة ثغرة في السوق العربي ذات ثلاثة أبعاد: فوفق الإحصاءات 70 بالمئة من أصحاب الشركات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ينوون توظيف المستقلين؛ في حين نرى وفق تقرير البنك الدولي أن أشد مطالب المستقلين هي التدرّب والتعلّم؛ لذا رديف حلقة وصل بين احتياجات أصحاب الشركات والمستقلين حيث يحتاج الأولون عمالة ماهرة مواكبة للعصر ويحتاج الأخيرون تدرّبًا عالي الجودة على مهارات مطلوبة في السوق. والبعد الثالث هو: خلق مكان آمن معنويًا ومهنيًا يلتقي فيه المستقلون العرب يشاركون مخاوفهم وانشغالاتهم وتطلعاتهم وتقدّمهم لأن الرحلة شاقة وتحتاج رفقة صالحة تعين المرء على عمله الذي لا زال المجتمع ينظر إليه بعين التشكك والريبة.

يساعدني في التسيير زملاء وزميلات وعلى رأسهم الأستاذة بلقيس إدريسي وهند وأيوب بن عمارة وإكرام صغيري وهو عمل صعب لكنه عندما يكون جماعيًا يهون. كذلك العربية أحسن أداة جامعة للأقطار العربية وحتى غير العربية (على سبيل المثال من آخر من اشترك معنا تشاديّ يقطن في ماليزيا) فبفضل العربية نتفاهم ونتعاون ونتعلم الخير ونُعلِّمه.

إليك هذه الأرقام حامِدًا الله عزّ وجلّ:

درّبنا بصورة فردية أكثر من 600 فرد وأهلناهم تأهيلًا مناسبًا لسوق العمل الحر عبر الإنترنت (معظمهم نساء) من أنحاء العالم الناطق بالعربية.

قدمنا 500 ساعة محتوى تعليمي وشرح تقني ومعرفي وتدريب مسجّلة في مكتبة رديف الخاصة وبعضها في الإنترنت العام.

أنتجنا ضمن #تحدي_رديف أزيد من 1600 مقال باللغة العربية. نُشرت بالفعل في الإنترنت (التحدي لا زال قائمًا وهو مفتوح للأبد) أي أننا أنتجنا ما يعادل 53 كتابًا منذ انطلاق التحدي (بواقع 30 مقال في كل كتاب)

ينتج أعضاء رديف مجتمعين وباللغة العربية حوالي 5 ملايين كلمة بالعربية كل عامٍ لعملائهم وللتسويق لخدماتهم والهيئات والمبادرات والأفراد (نحو 200 عضو مشترك حالي يدفع، مع متوسط إنتاج 30 ألف كلمة في العام لكل فرد) ما يعادل 100 كتاب كل عام (لو حددنا كل كتاب بـ50 ألف كلمة).

الحِمية المعلوماتية أي  informational diet وهي أن تراقب ما يستهلكه ذهنك كما تراقب ما يستهلكه بطنك.

تلقيته بحمد المولى عز وجل والسرور والفرح وهو إنجاز لكل مجتمع رديف وأعضائه وطاقم عمله ونسأل المولى أن يوفِّقنا في تحمل مسؤولية هذا التشريف ويعيننا على تجاوز التوقعات وتحقيق ما هو أكبر منها.

إنّ مجرد وصول مجتمع رديف للقائمة القصيرة اعترافٌ ضمنيّ بالجهود التي بذلناها منذ إطلاق المجتمع وهو شرف كبير ووسام يسعدنا حمله ومسؤولية كذلك؛ وذلك لأن أهداف رديف تتقاطع مع مستهدفات الجائزة الرامية إلى: مكافأة المحتوى الرقمي الذي يركّز على التنمية المستدامة؛ والمساهمة في سدّ النقص في المحتوى الرقمي باللغة العربية؛ وتطوير مجتمع المعلومات والمعرفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهذا بالتحديد ما يعمل عليه بجدٍ واجتهاد مجتمع رديف بكامل أعضائه وفريق عمله.

بفضل المولى عز وجل؛ وقد حرصتُ منذ أطلقت رديف على تقديم أقصى ما لدي وبذل ما في وسعي وخدمة الأعضاء على قدمٍ وساقٍ دون تأفف ولا كسل.

وقد ساهمت طبيعة الأشخاص المشتركين والتي تتسم بالمحبة والمودة والكرم المعرفي والمادي والإيمان بوجوب إعلاء راية اللغة العربية وإنتاج المعرفة النافعة في جذب المزيد ممن يفكّر بنفس هذه الأفكار مما خلق حركيّة مباركة حميدة أنا نفسي أندهش يوميًا منها وذلك نظرًا لكمّ الحبّ والترويج الطبيعي العضوي الشفوي والكتابي الذي يؤديه مشتركو المجتمع طواعية وحبًّا في نمو المجتمع ونجاحه؛ وهذا ما أدى إلى توسّع رقعة تأثيره وشموله عددًا طيبًّا من مستخدمي الإنترنت. طبيعةُ الإنترنت كذلك والتي تُسهّل وتُيسّر نقل المعلومات والمعارف واتباعنا أساليب ما يسمى “التسويق الإنساني غير القسري” جذب لنا من كَرِه من التسويق الافتراسي القسري والمُلِّح؛ فنحن لا نقدّم وعودًا مبالغًا فيها ولا نكلّف أنفسنا فوق طاقتنا ونظهر عفويين ونقول ما نعلم ونُعلِّم ما تعلّمناه دون احتكار لأي أسرار أو طرق أو معرفة دنيوية.

الذكاء الاصطناعي نعمة جليلة للإنسانية وسيقتحم كل القطاعات بحيث يُيسِّر حياة الناس ويفتح آفاقًا جديدة. وهو أداة تعزز الإنتاجية ولن تستبدل من يتعلم باستمرار وله تفكير ناقد ومَلَكة تحليلٍ.

«إن النسخ الأولى من أي عمل ستكون رديئة» كما يقول الحائز على نوبل إرنست همنغواي؛ لذا اُنشر على أي حال فبعد أن تصل لمستوى جودة مرتفع سترى الماضي وتصير النسخ الرديئة وسامًا على صدرك تفتخر به قائلًا: «بدأتُ من الصفر؛ أين كنت وأين صرتُ».

أولًا أشكرُ حضرتك الشكر الجزيل لكسر هذا النمطِ المؤذي للإعلام والناس على حدٍ سواء، وأرجو أن ينتبه الإعلام لمن يجاهد في صنع المحتوى النافع.

أعتقد برأيي أن اللوم لا يقع فقط على عاتق الصحفيين لا سيما وأن قطاعهم – أي الإعلام – يرزح هو نفسه تحت مشاكل تخصّهم لا سبيل لبسط القول فيها الآن وحضرتك أدرى بها منيّ؛ لكن أيضًا على صنّاع المحتوى أنفسهم أن يبادروا ويبذلوا الجهد للوصول للإعلاميين والصحفيين وتسهيل حياة هؤلاء الذين اختاروا من بين كل المهن: مهنة المتاعب؛ فمن المفترض وجود منصة مثل هارو الإنجليزية (helpareporter.com) التي تجمع بين الصحفيين والخبراء وصنّاع المحتوى ومعنى اسمها أصلًا “ساعد مُراسِلًا صحفيًا”؛ ولكن لا وجود لمثل هذه المنصة في واقعنا العربيّ؛ ومجموعات فيس وتيليجرام وواتساب غير مهنية وغير منظمة ولا كافية. لا بد من إطلاق: منصات وتطبيقات ومبادرات تتيح التواصل ما بين الصحفيين والإعلاميين من جهة وكل صاحب تأثير أو مشروع أو شركة أو مبادرة أو حركة إنسانية أو اختراع أو نظرية أو علم أو فهم أو شيء يقوله للعالم ويكون نافعًا من جهة أخرى؛ وذلك مثل منصة ماك راك (muckrack.com) فإنيّ أحلم بوجود مثلها ومثل برس هَنت (presshunt.co)؛ ومنصة كوتد (qwoted.com) وغيرها الكثير في العالم العربي.

بتنظيم الوقت وبصرامة وأيضًا لدي حمية معلوماتية صارمة كذلك، وتوفيق الله من قبلُ ومن بعْد. مع توفّر دعمٍ معنوي هائل من المقرّبين مني يدفعني للاستمرار وعدم خذلانهم.

أخطط مستقبلًا إن شاء الله لإطلاق برامج SaaS أي “برمجيات كخدمة”، مثل كانفا الذي يعرفه الكثير، لكن ليس للتصميم بل للكتابة وإنشاء مختلف أنواع المحتوى النصيِّ.

أشكر حضرتك جدًا أخي وزميلي منير سعدي، وإني لأشيد بجهودك العظيمة في تسليط الضوء على قضايا ومواضيع وشؤون وأشخاص لولاك لما غطّاها الإعلام.

التدوينة الكاتب والمترجم ومُؤسِّس “مجتمع رديف” الأستاذ يونس بن عمارة للحـوار: غاية مشروع “مجتمع رديف” الأساسيّة إضفاء قيمة اقتصادية مُجزيـة على اللغة العربية ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.