بقلم: الطيب توهامي منتج.. مخرج وسيناريست
لا أدري ما الذي يجعل مخرجا يدّعي الإبداع والموهبة يحتفظ تقريبا بكل الكاست الفني الذي اشتغل معه في مسلسل الموسم الرمضاني المنصرم؟ سؤال لم أعثر له على جواب مقنع. من حق المخرج أن يحتفظ بفريقه التقني، لا سيما المناصب الفنية المهمة، كمدير التصوير والمدير الفني ومهندس الصوت، فهذا الأمر مرتبط بالاحترافية، فالفريق التقني والفني الناجح قد نحتفظ به لتحقيق نجاح آخر، لكن لماذا نحتفظ بالكاست؟ ولماذا هناك ثنائيات نجدها تتكرر كل سنة؟ لماذا يشتغل مثلا حسان كشاش مع نوميديا لزول لسنتين متتاليتين؟ ولماذا يشتغل مثلا عبد القادر جريو مع محمد خساني لسنوات طويلة مع بعض؟ لماذا نغير السيناريو والشخوص، ونحافظ على أغلب الكاست؟ نشعر أحيانا أننا أمام العمل الدرامي نفسه، خصوصا إذا حقق هذا العمل نجاحا في الموسم المنصرم، ما ينعكس بالضرورة على مخيال المُشاهد أو المتلقي الذي يصعب عليه التفريق بين وجوه المسلسل في العام المنصرم وهذا العام، خصوصا إذا كنا أمام حالة أدائية وفنية غير متغيرة وغير متطورة، بمعنى أن الممثل لا يتمكن من الخروج من قوقعة الأداء الذي يقدمه بشكل عام.
هذه ظاهرة في غاية الخطورة قادرة على نخر الأعمال الدرامية، وإفقادها لعوامل الإبداع والتجديد والأصالة. هي ظاهرة بحاجة إلى دراسة ميدانية، لفهم الأسباب التي تجعل المخرج يتمسك بأبطاله الذين حقق بهم نجاحا معينا في موسم ما، يحتفظ بهم لعدة مواسم في أعمال درامية تعطي الانطباع بالتشابه والرتابة، حتى وإن تغيرت الفكرة والحبكة والأحداث الدرامية، فأصبح الجمهور يعيب على عديد الكوميديين الرتابة في الأداء، حتى وإن تغيرت الشخوص والمواقف.
هي ظاهرة في غاية الخطورة كذلك، لأنها تقصي آليا بروز مواهب جديدة في عالم التمثيل، وتقضي على حركية تطور الممثلين من ناحية الأداء، وتمس أساسا بمبدأ الاحترافية والمهنية، القائم على التوزيع الموضوعي لشخوص العمل الفني على الممثلين. وإذا استمر الحال على ما هو عليه اليوم، سنلاحظ ظمورا في قاعدة المهن التمثيلية والأدائية، ورتابة في الأعمال الدرامية والكوميدية التي تعرض في كل موسم رمضاني.
لاحظنا كذلك هذا العام، ونظرا لارتفاع عدد المسلسلات الدرامية والسلاسل الكوميدية مشاركة فنانين معروفين ومشهورين في ثلاثة أعمال على الأقل، وهو أمر خطير كذلك يؤدي إلى تشتيت المُشاهد الذي يعجز عن متابعة أداء وتفاصيل الشخصيات التي يؤديها هذا الممثل. ومن الصعب عليه الاشتغال على ثلاثة أدوار في مدة زمنية محددة، فأغلب الممثلين المحترفين العالميين في الدراما، قبل وأثناء تجسيد الدور، يعتزلون حتى عائلاتهم ويسكنون بمفردهم، من أجل تقمص الشخصية والغوص في تفاصيلها، فالتمثيل ليس مجرد أداء وحركة جسد وملامح، بل هو طاقة روحية كبيرة تنفذ من الشخصية، لتصيب قلب المشاهد مباشرة.
هي ظاهرة تتصف بالغرابة والخطورة كذلك، كونها تحد من بروز طاقات تمثيلية وأدائية جديدة، وتصيب المشهد الدرامي بالرتابة، وجب تفاديها في قادم الأعمال، للحفاظ على ديمومة التطور الذي تشهده الدراما الجزائرية.
التدوينة عين على الشاشة.. وجوه درامية لا تتغير ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.