بقلم: الطيب توهامي/ منتج، مخرج، وسيناريست

“الله لا يربحك.. ستدخل النار يا عدو الله”.. هكدا تحدثت أم سالم قدارة إلى ولدها الذي مثّل دور وحشي في فيلم الرسالة، إذ لم تتقبل هذه الوالدة أن ولدها قتل حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم تغير نظرتها لولدها الذي طردته من البيت، حتى جاء المخرج الراحل مصطفى العقاد، ومعه عبد الله غيث، وحمدي غيث رحمهم الله، وأقنعوها أن هذا مجرد تمثيل، فاحتضنت ولدها سالم، وأكدت لهم أنها خافت عليه أن يدخل النار. لم يسلم سالم قدارة أو وحشي من المواقف الصعبة، والابتلاءات التي لاحقته، فلم يكن يمر على حي إلا وتعرض لرشق بالحجارة من طرف الصبية، وعندما التقى بالعقاد قال له سالم: أي مصيبة هذه التي أوقعتني فيها.

في الحقيقة رغم ما تحمله هذه المواقف الصعبة والطريفة في آن واحد، ندرك أنها في النهاية علامة من علامات نجاح سالم قدارة في دوره، وقد ترسخ في المخيال الجمعي على أنه وحشي وليس مجرد مؤدٍ لدوره. تشابه الواقع هنا في الجزائر كذلك، كمثال على هيمنة سلطة الواقع على العمل الفني، هو تجمع بعض من جماهير مستغانم، ورفضوا أن يصعد العلم الفرنسي في إحدى المقرات الحكومية، حينما كان المخرج جعفر قاسم ينوي تصوير أحد مشاهد فيلمه “هوليوبوليس”. السيناريو نفسه اليوم يتكرر مع مروان ڨروابي الذي قام بدور امرأة في سلسلة “لاغازات”، إذ لم يستسغ البعض هذا العرض، واصفين إياه بأبشع النعوت، وهو ظلم في حق ممثل يقوم بدور الشخصية فقط، وهو لا يعني أنه كذلك.

 

أعتقد أننا في السابق لم نكن بهذا التطرف الحاد في التعامل مع ما هو درامي، فقد شاهدنا “ما مسعودة” وقد جسد دورها حمزة فيغولي بأداء هزلي مميز، ولم يتجنَّ يومها أحد على حمزة فيغولي، أو يصفه بهذه الأوصاف الشنيعة التي وصف بها الممثل الشاب مروان ڨروابي. وأكاد أجزم أن جمهور المتابعين اليوم لا يملك القدرة على التفريق بين الواقع، وبين تناول هذا الواقع من طرف الكتاب والسيناريست والمخرجين. هناك تشنج وتأزم في التعامل مع المشهد الدرامي، الذي هو في الحقيقة قد يتناول الواقع كموضوع، لكن يقدم في النهاية واقعا فنيا، ترسمه رؤية السيناريست والمخرج، وليس بالضرورة أن يكون هو نفسه الواقع الخام، بل تتم معالجته بأدوات فنية، تعكس وجهة نظر القائمين على العمل الدرامي، وما يريدون تبليغه من رسائل للجمهور.

 

إن سلطة الواقع على الأعمال الفنية أمر خطير للغاية، يحد من هامش الحرية للكتاب في تناول مواضيعهم بالجدية المطلوبة، حتى وإن كانت فكاهة وكوميديا، من الضروري التفريق بين ما هو واقعا وبين ما هو متخيلا، وإلا قادنا هذا الالتباس إلى أحكام متطرفة وقاسية على العمل الفني. هذه الحقيقة كذلك لا يجب أن تمنعنا من نصح كتاب السيناريو، بضرورة معالجة المواضيع الحساسة بهدوء وروية، وبطريقة فنية لا تعمتد على الابتذال في كسر الطابوهات، وصدم جمهور المشاهدين بطريقة تنقصها الحنكة والدهاء في طرح المواضيع. وهو الأمر الذي أضخى يلجأ إليه كتاب السيناريو والمخرجون في طرح مواضيعهم بحدة، وبجرعة زائدة من الجرأة، بهدف بلوغ الشهرة، ولكن على حساب رقي أدواتهم الفنية في النهاية، فالفنان الجيد لا يزلزلك بصريا أو سمعيا، بل يزلزلك شعوريا وانفعاليا، وهذا هو المقصد والجوهر من دراما قوية ومؤثرة في نهاية الأمر.

التدوينة عين على الشاشة .. الدراما وسلطة الواقع ظهرت أولاً على الحوار الجزائرية.