وقد وضع هذا البيان, الذي خطته مجموعة من القادة والمناضلين الشباب المتشبعين بالفكر الثوري, المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار, من أجل انتزاع الاستقلال وإقامة "دولة جزائرية ديمقراطية اجتماعية ذات سيادة, ضمن إطار المبادئ الإسلامية".
وحسم هذا النداء الموجه إلى الشعب الجزائري بشكل نهائي مصير الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 سنة, بكل ما جاء به من عواقب وخيمة, من سلب للأراضي ونهب للثروات واستعباد للأفراد.
ومن خلال هذه الدعوة الموجهة للجزائريين من أجل تجميع وتنظيم كل طاقاتهم في سبيل تصفية النظام الاستعماري, أسس مناضلو الحركة الوطنية لجزائر مصممة على أخذ مصيرها بيدها ورسم مسار مستقبلها السياسي والاقتصادي.
وحتى بعد تحقق الاستقلال في 5 يوليو 1962, لم تكن المهمة سهلة, نظرا للوضع الاقتصادي والاجتماعي والصحي الكارثي للبلاد في أعقاب الثورة المجيدة.
وقدم الشعب الجزائري تضحيات جسيمة من أجل التحرر من قبضة الاستعمار وجميع أذنابه, الذين حاولوا بكل الوسائل الحفاظ على هيمنة العدو ونفوذه على ثروات الوطن.
وفي هذا السياق بالذات, قدمت الجزائر للعالم نموذجا يحتذى به, ما فتئ يلهم العديد من الشعوب التي خرجت من براثن الاستعمار وسارعت الخطى على طريق التنمية الشاملة.
وبعيد استرجاع سيادتها على كامل أراضيها, شرعت الجزائر, الغنية بالموارد الطبيعية, في انتهاج سياسة اقتصادية جريئة شملت العديد من البرامج التنموية, تميزت بتأميم مختلف القطاعات الاستراتيجية, خاصة المناجم والمالية والتأمينات والمؤسسات الاقتصادية. وبلغ هذا المسار ذروته بالقرار التاريخي المتمثل في تأميم المحروقات يوم 24 فبراير 1971, مما أثار استياء فرنسا.
وبفضل هذا التصميم والعزم, تمكنت البلاد من تحقيق تقدم كبير في سعيها نحو التنوع الاقتصادي, من خلال إنشاء قاعدة صناعية ضخمة وبنية تحتية قادرة على إعطاء دفعة جديدة للاقتصاد, فضلا عن تلبية الاحتياجات الوطنية.
الأمن الغذائي والصادرات والاستقرار المالي, مقومات الاقتصاد الوطني
بعد مرور سبعين سنة على اندلاع الثورة, لا تزال الجزائر ملتزمة بتعزيز استقلالها الاقتصادي, من خلال التركيز على ثلاثة محاور استراتيجية, هي الأمن الطاقوي والغذائي, والرفع من حجم الصادرات خارج المحروقات, والاستقرار المالي.
وفي إطار هذه الرؤية, نجحت البلاد في تطوير قطاع الطاقة, من خلال حشد استثمارات كبيرة ضمنت تلبية كل احتياجاتها من الكهرباء والغاز الطبيعي ومختلف أنواع الوقود, إلى جانب المواد الخام, مع توجيه جزء كبير من هذه الموارد للتصدير, الذي يدر عائدات مالية تستخدم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويشهد هذا القطاع في الوقت الراهن تحولات جذرية, جعلته يستفيد من مشاريع كبرى تهدف إلى زيادة إنتاج واستخدام الطاقات المتجددة, فضلا عن إنشاء البنى ذات المستوى الدولي والقاري.
وغير بعيد عن قطاع الطاقة, تمثل الفلاحة أحد أعمدة الاقتصاد الوطني والضامن للأمن الغذائي للبلاد, حيث تبلغ حصته 18 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي, بواقع 35 مليار دولار, حسب بيانات وزارة الفلاحة والتنمية الريفية.
أما في قطاع الصناعة, فلم تدخر الدولة أي جهد لبناء قاعدة وطنية قوية, إذ نتج عن ذلك بروز شركات جزائرية رائدة في مختلف المجالات, بما في ذلك الصناعات الغذائية والإلكترونية والأجهزة الكهرومنزلية ومواد البناء والحديد والصلب.
وتحت القيادة الرشيدة لرئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, تميزت الجزائر على المستوى الإقليمي وحتى الدولي, في مجال الاستقرار المالي, بفضل احتياطاتها للصرف وانخفاض مستوى مديونيتها الخارجية, مما مكنها من الحفاظ على سيادة قرارها واتخاذ قرارات تتماشى مع مبادئها وعقيدتها.
وبالموازاة مع ذلك, عملت الدولة على زيادة حجم الصادرات خارج المحروقات, حيث اقتربت من تحقيق 7 مليارات دولار في السنة خلال الأعوام الأخيرة, ضمن هدف أكبر يتمثل في الوصول إلى 30 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات في آفاق 2030.
من جانب آخر, شهدت الجزائر عدة تحولات أخرى, خاصة في مجال الابتكار والرقمنة وريادة الأعمال والمؤسسات الناشئة, مع تقديم التسهيلات للشباب حاملي المشاريع.
وبهذا, فإن الجزائر ملتزمة التزاما راسخا بتطوير الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل, بهدف الانضمام إلى سلاسل القيمة العالمية وتحقيق ناتج محلي إجمالي يفوق 400 مليار دولار بنهاية عام 2027.