رمضانيات:
في سوق لاباستي العريق بوهران، وبين المحلات التجارية وطاولات بيع الخضر والفواكه والممرات الضيقة التي تعج بالحركة، يحتفظ عمي ميلود بركنه الصغير و يمارس مهنته القديمة بكل حب وإتقان لتصليح أواني زبائنه الأوفياء . بوجه رسم عليه الزمن خطوط الشيخوخة ، وبعينين يشع منها بريق الهمة والنشاط ، يجلس عمي ميلود على كرسيه الخشبي القديم محاطاً بأدواته البسيطة، المطارق، الملاقط، وأفران النار الصغيرة. دون أن يترك المجال للباعة حجب نشاطه آو حتى إضعاف صدى المعادن التي ترددها زوايا السوق في كل طقطقة المطرقة ، وكأنها تريد أن تبرز للعلن حكايات الزمن الماضي وما قدمه عمي ميلود آنذاك لكل من يقصده لأول مرة ،أو يتردد عليه لترميم ما أفسدته عمليات الطهي يقول عمي ميلود بابتسامة لا تفارقه "هذا الركن الصغير هو عالمي. تعلمت منه المهنة منذ 40 سنة على يد زوج أختي الذي شغل نفس المكان ولم يكن صعبا علي اكتساب تلك الخبرة إلى درجة أن كل وعاء يحمل معه قصة وتجمعه علاقة محفورة في سجل ذاكرته ،حتى لا تنحل أو تزول وسط عصرنه وتطورات عالم المطبخ وبالرغم من أن السوق يشهد تغيرات مستمرة، مع انتشار محلات تسويق كل ما هو عصري بأسعار تنافسية ، يظل ركن عمي ميلود باقيا كجزء لا يتجزأ من لاباستي يحتفظ هو الأخر بذكريات الزمن الجميل ويتمسك بنشاطه الذي لا يأبى الزوال بخدمات مضبوطة وأدوات بسيطة لا يحسنها سوى صاحب الصنعة الذي يدرك جليا كيف يرضي الزبائن وبالتحديد ربات البيوت ،ممن يستعن بقدراته في تصليح الأواني القديمة وصيانتها من جديد لتصبح جاهزة للاستعمال في زمن "كليبسو وطيفال " والأدوات الكهربائية سريعة الطهي . و أمام هذه التطورات يحاول عمي ميلود أن يبسط نشاطه وكله قناعة وحرصا على مواصلة حرفته ولو بالقليل وما تجود به هذه الصنعة المتواضعة ،إيمانا منه أن الرضا كنز لا يفنى وباب الرزق يبقى فتوحا دائما في وجه المؤمن القنوع . وعلى خلاف شهور السنة يجد عمي ميلود خلال شهري شعبان رمضان الكريم مساحة أوسع بتزايد الإقبال عليه من قبل ربات البيوت استعدادا للمناسبة واحتفالا بالموسم لتزيين مائدة بروح نوستالجيا والحنين إلى الماضي.
عمي ميلود  رمز  حرفة تصليح الأواني بسوق لاباستي ...الجديد حبو والقديم لا تفرط فيه