الذاكرة:
معركة البخاخشة وقعت في أكتوبر1958بطريق "العنصر" بعيدا عن مدينة بني صاف بنحو3 كلم بالمنطقة الثالثة للولاية الخامسة التي كان يقودها آنذاك مصطفى عبيد الذي عين خلفالسي بوسيف كما أفادنا المدير الولائي لمنظمة المجاهدين لعين تيموشنت.لقد لقّن خلالها المجاهدون الأشاوس جنود الاحتلال الفرنسي دروسا في البطولة والتضحية و كبّدوه خسائر فادحة في الأرواح قبل أن يستشهدوا جميعا في ساحة الشرف, لقد انطلقت شرارتها من منزل السيد زحاف بوسيف المركز الذي كانت تأوي مخابئه في ذلك اليوم 11 مجاهدا يقودهم البطل زحاّف عليّ برتبة رقيب أول (sergent chef)بينهم امرأتان بعد وصول وشاية لقيادة المستعمر تفيد بتواجد المجموعة بهذا المكان . • زحاف عبد القادر شقيق الشهيد زحاف عليّ يدلي بشهادات حول المعركة لقد أتيحت لنا الفرصة لزيارة هذا المنزل والوقوف على أطلاله رفقة زحاف عبد القادر شقيق المجاهد زحاف عليّ الذي لازال يحتفظ ببعض الوثائق والصور حول هذه المعركة حيث أدلى لنا بشهادته مع نقل شهادات من عايشوا أحداث هذه المعركة الضارية التي دامت 18 ساعة . يقول زحاف عبد القادر: لقد اتخذ المجاهدون من منزلنا الكائن بدوار البخاخشة غير بعيد عن منبع " العنصر" مركزا يأتون اليه للمبيت وللإعداد للمعارك ولنقل السلاح ... وكانت والدتي حوى خيرة ومن معها من النساء يمضين الليل في إعداد الطعام وغسل الملابس وتوفير كل المستلزمات التي يحتاجون إليها غير أن عساكر المستعمر تفطنوا إلى ذلك فأجبرونا على الرحيل إلى سيدي الصافي ثم عمدوا إلى هدم وحرق المنزل وقاموا باقتياد والدي زحاف بوسيف إلى السجن ليمكث فيه عدة سنوات . وتروي لي والدتي أنها في يوم المعركة خرجت من مسكننا في سيدي الصافي متوجهة مع ثلة من النساء إلى المخابئ المحيطة بمنزلنا الأول بدوار البخاخشة في مهمة لنقل الغذاء للمجاهدين وفي الطريق اعترض سبيلهن العسكر فأقنعتهم بأنها ذاهبة للإتيان بأعواد القصب لأنها كانت تحمل معها (رخصة بالمرور ) فسمحوا لها بالمرور ولما وصلت إلى هناك أمرها شقيقي بالعودة ومن معها من حيث أتت لأن المروحية " الشمشامة" حلّقت فوق المكان كاشفة في تلك الأثناء عن وجود مجموعة من المجاهدين بدوار البخاخشة وتحديدا بمخابئ منزل زحاف بوسيف بفعل وشاية أحد الخونة . وبعدها بقليل قدمت سيارة "لاجيب" يقودها ضابط عسكري واقترب من المنزل وعن طريق مكبر الصوت راح يأمر المجاهدين بتسليم أنفسهم كي ينجوا من الموت لأنهم باتوا محاصرين من كل مكان وفي تلك اللحظات خرج شقيقي زحاف علي ّ من المخبأ وفاجأه بوابل من الرصاص ليصيبه في أنحاء من جسمه ثم ركض مسرعا في اتجاه الوادي ليغادر رفاقه المخبأ منتشرين في أمكنة متفرقة تسمح لهم برصد تحركات العدو ومراقبة بعضهم بعضا من بعيد(بأسفل الوادي وفي سفح الجبل ووراء الصخور)وفي تلك اللحظات بدت للعيان شاحنة"جامشي" تقترب من الدوار تتبعها شاحنات أخرى محملة بعشرات أفراد العدو يشكلون فرقتين ( 35جندي + 35جندي) وراحت تطوق المكان وسرعان ما اشتبكوا معهم في معركة طاحنة انطلقت في حدود العاشرة صباحا ومع مرور الوقت لاقى أفراد جيش المحتل مقاومة شديدة وعجزوا في القضاء على هذه المجموعة القليلة من المجاهدين ما اضطرهم إلى الاستنجاد بتعزيزات عسكرية وكذا ب 4 طائرات مقنبلة راحت تحلق في علوّ منخفض وتقصف المكان بقنابل الغاز المحظورة دوليا بشكل متتابع حيث كنا نحن نتابع المشهد من منزلنا في سيدي الصافي- يضيف زحاف عبد القادر-. * 4 مجاهدين من عائلة واحدة استشهدوا في اشتباك عنيف مع العدو علما وأن المجاهدين ال 11 المشاركين في المعركة هم : زحّاف عليّ برتبة رقيب أول وهو قائد المجموعة وزحّاف الصحبي وزحّاف الصافي وزحّاف قويدر و الشهبوني قويدر وبلهادف محمد و مولاي وحسنييو والصابري وبلعباس زوليخة وميلودي فاطمة . واستمر تبادل طلقات الرصاص بين الطرفين في الوقت الذي واصلت فيه الطائرات الحربية الأربعة قصفها للمكان بالتناوب لينتهي القتال الضروس ليلا مخلفا استشهاد المجاهدين ال 11جميعهم فيما تمكن هؤلاء الأبطال من القضاء على عشرات من جنود العدويجهل عددهم. وهنا راح زحاف عبد القادر ينقل شهادة الجارة السيدة "ميرة" التي كان تسكن أيام الثورة مع زوجها في مزرعة المعمّر " جوست" تطل على مركز المجاهدين " دار زحاف" بقوله : أخبرتني هذه السيدة التي كانت تتابع المشهد ووقائع المعركة من منزلها بأن أخي المجاهد زحاف عليّ استشهد في الوادي بعد أن توجهت إليه سيارة عسكرية " لاجيب" التي كان به جنود فرنسيون ومعهم عميل (حركي) اذ باغتوه بإطلاق رصاصات عليه أصابته في رجليه ليسقط أرضا ثم لحقوا به وقضوا عليه , وتستطرد قائلة: وبعد مقتله مباشرة قام العسكر بإنزالنا إلى الأسفل أين شاهدنا جثة الشهيد" عليّ" مرمية على حافة الطريق. * جيش المستعمر استنجد بتعزيزات عسكرية و 4 طائرات مقنبلة لقصف المكان بالغاز وفي تلك اللحظات حضر القائد الفرنسي للاطلاع على الوضع وما أن رأى جثة زحاف علي( رقيب أول مسؤول الفوج ) حتى استشاط غضبا مؤنبا ومعاتبا العسكر. لم قتلتموه؟ كان عليكم أن تتركوه حيا حتى أقتصّ منه و أمزق لحمه إربا إربا وأرغمه على أكله . بهذه الفظاعة وبهذا الحقد الدفين تفوّه القائد الفرنسي ما يعني أن عليّ وجماعته لقنوا عسكره دروسا في التضحية والفداء وقتلوا منهم عددا كبيرا . وكعادتها فرنسا الاستعمارية ، وبعد كل معركة تتكبد فيها خسائر في الأرواح من طرف أفراد جيش التحرير البواسل تنتقم من سكان المنطقة وهكذا لجأ جيش الاحتلال إلى إخراج قاطني الدواوير المجاورة لدوار البخاخشة من بيوتهم ثم عمدوا إلى حرقها ونقلوهم إلى محتشد بسيدي الصافي كما تنقل الدّواب. . • نحو إنشاء مربع للشهداء الـ 11 تخليدا لذكراهم بمقبرة سيدي الصحبي وفي اليوم الموالي تم جمع جثث الشهداء التي كانت مرمية هنا وهناك في مكان واحد وسمح العدو لمواطن يمتلك سيارة بنقلهم على متنها إلى مقبرة سيدي الصحبي وبها تم حفر حفرة كبيرة ودفنهم فيها وبقوا على هذه الحال إلى يومنا هذا .- ينهي زحاف عبد القادر شهادته- و في هذا السياق قد علمنا من الحاج المختار بن شراط الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين بعين تموشنت في اتصال هاتفي أن السلطات قررت إنشاء مربع لهؤلاء الشهداء ال 11 بمقبرة سيدي الصحبي الشعبية مع تدوين القائمة الاسمية لهم في مسعى لمحاربة للنسيان وحفاظا على الذاكرة.
معركة البخاخشة ببني صاف في أكتوبر 1958 .... 11 مجاهدا لقّنوا العدو دروسا في البطولة والتضحية