تشهد سوق تطوير العقارات العالمية تقلبات بحسب المنطقة الجغرافية تتراوح ما بين النمو والتراجع، لأسباب عدة يتصدرها عدم اليقين الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، التي تنعكس على استقرار السوق وثقة المستثمرين، والتي تضاف إلى التحديات الداخلية، على خلفية التحولات التي سببتها انعطافات الأحداث العالمية والإقليمية على مختلف الصعد في السنوات الأخيرة، إلا أنها تتسم في الشرق الأوسط وأفريقيا بالآفاق المختلطة ما بين تعافي الاستثمار العقاري، والنمو البطيء. الثابت في هذه المعطيات، أن قطاع العقارات التقليدية يواجه تحديات من أهمها تغير التوجهات الاستثمارية وانخفاض الطلب على المساحات المكتبية ومساحات التجزئة. تقودنا هذه المعطيات لإدراك مدى ضرورة الحفاظ على حيوية السوق في أوقات الضبابية الاقتصادية والجيوسياسية، لضمان المرونة الاقتصادية والازدهار على المدى الطويل، خاصة وأن هذه السوق تعزز الاستثمار، كما تعمل كمقياس للقوة الاقتصادية، إلى جانب تأثيرها على مختلف جوانب التنمية. في الأردن تنامي قطاع التطوير العقاري، من خلال الاعتماد على نماذج التطوير التقليدية التي قد تضعها تداعيات الأحداث السائدة على المحك، ما يتطلب إعادة التفكير في هذه النماذج. ومن هنا، فإن هناك حاجة لتبني نهج لبناء سوق تطوير قادرة على تحمل تباطؤ النمو أو الركود، وبالتالي بناء اقتصاد متين وقادر على التكيّف. يقوم هذا النهج على المرونة المرتكزة على الابتكار، للخروج من عباءة النماذج التقليدية والتوجه لنماذج متعددة الاستخدامات، التي يجب أن لا تتركز داخل العاصمة، كما ينبغي أن تتميز ببنية تحتية ذكية ومستدامة، تدمج التقنيات وممارسات البناء الأخضر، وتوائم متطلبات وتطلعات التركيبة السكانية، عبر إعادة تصور بيئة العمل والتسوق والترفيه والتعافي والمعيشة، وجمعها في مشروع يتميز بهوية واحدة، كذلك، فإن التنويع يعد جزءا من هذا النهج، لقدرته على تخفيف مخاطر تراجع السوق، وابتكار مصادر جديدة لإيرادات تدعم الاستقرار الاقتصادي؛ إذ أن من الأهمية، توسيع آفاق الاستثمار بتحويله نحو القطاعات الناشئة كالخدمات اللوجستية والعقارات السكنية ومرافق الرعاية التي تلبي احتياجات ديموغرافية محددة. وعلاوةً على ذلك، فإن التشاركية بين القطاعين العام والخاص ضرورية؛ حيث يقع على عاتق الحكومة مسؤولية ودور أساسي في خلق بيئة مؤسسية منظمة تجذب وتحمي المستثمرين، ما يتطلب المزيد من التغييرات الجاذبة للمطورين، والتي تحد من العقبات البيروقراطية، للدفع بمشاريع التطوير العقاري متعددة الاستخدامات وتعزيز النمو، والتي تقدم الفرصة لتقاسم منافعها، وتعزيز النشاط الاقتصادي وحمايته من الصدمات الخارجية. هذا يتطلب زيادة الاستثمارات الموجهة للبنية التحتية العامة والداعمة للتطوير العقاري. ولعل العبدلي يأتي مثالا واقعيا لهذا النهج الإيجابي؛ حيث أنه لم يكن مجرد بناء، إنما نتاج لالتزام راسخ برؤية طويلة الأمد تحقق النمو الاقتصادي، تعتمد على مبادئ الابتكار والاستدامة والتميز والمواءمة الاستراتيجية، وتعكس تطلعات الأردن الحديث برفع جودة ونوعية الحياة، والمساهمة بتعزيز الحيوية الاستثمارية والاقتصادية والتجارية والثقافية. وأخيراً، التقلبات قصيرة الأجل في السوق أمر لا مفر منه، ولكن لا ينبغي لها أن تشتت الانتباه عن الهدف الأوسع المتمثل في بناء اقتصاد وطني مرن ومزدهر، وهذا يتطلب أيضاً الاستثمار المستمر في رأس المال البشري، وتعزيز روح المبادرة، وضمان توجيه السياسات والممارسات نحو التنمية المستدامة. * رئيس مجلس إدارة شركة العبدلي للاستثمار والتطوير