الجمهور في إسرائيل ملزم بأن يوجه نظره مباشرة إلى ما تنفذ دولته باسمه في شمال قطاع غزة. في بداية أكتوبر أعلن الجيش الإسرائيلي عن عملة عسكرية هناك، ومنذ أكثر من شهر يفرض حصارا متشددا على المنطقة حول مدن جباليا، بيت حانون وبيت لاهيا. "حصار في داخل حصار في داخل حصار"، هكذا وصف ذلك مصدر في الأمم المتحدة. منطقة لا يسمح فيها الجيش الإسرائيلي لأحد أن يدخل إليها – ولا حتى لمنظمات الإغاثة الدولية. سكان شمال القطاع طُلب منهم أن ينتقلوا جنوبا، بروح "خطة الجنرالات" للواء احتياط غيورا آيلند. رغم أنه من ناحية رسمية إسرائيل تنفي أنها تنفذها. الفكرة العامة "للخطة" هذه هي إخلاء السكان، الإعلان عن منطقة عسكرية مغلقة، وخلق معادلة يكون فيها من يبقى يعد مخربا وحكمه الموت. سكان يخشون أنه لن يسمح لهم بالعودة قرروا البقاء، وآخرون لا يمكنهم أن يخرجوا من المنطقة. قبل بضعة أيام نشرت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تحذيرا جاء فيه أن الوضع هناك "هو الآخرة": كل الفلسطينيين الذين في شمال قطاع غزة علقوا في خطر حقيقي ليموتوا بالأمراض، بالجوع وبالعنف". الجيش يحظر دخول شاحنات الإغاثة الإنسانية، وفقط لسيارات الإسعاف أعطي الإذن لنقل مرضى بأمراض صعبة للمستشفى في مدينة غزة. وطلب الجيش الإسرائيلي من هيئات النجدة المدنية مغادرة المنطقة أيضا. للطرد الجماعي، للتجويع، للمس بالمستشفيات وبالكارثة الإنسانية ينبغي أن يضاف المس غير المتوازن بالمدنيين. الجمهور في إسرائيل يكاد لا يطلع على هذه الأحداث، وبين هذا وذاك فإن عدم اكتراثه بهم مطلق. هكذا مثلا قبل نحو أسبوعين هاجم الجيش الإسرائيلي مبنى في بيت لاهيا، وحسب وزارة الصحة في غزة قتل 94 شخصا. وذلك لأنه على سطح المبنى نصب استحكام مراقبة لحماس وساعد في تفعيل عبوة ناسفة قتلت أربعة جنود قبل يومين من ذلك. في إسرائيل يكاد لا يكون هناك أي نقاش في مسألة إذا كان هناك مبرر عملياتي لقتل مكثف كهذا. عمليا، تنطوي الحرب على تجاهل للقانون الدولي. وكأنه لا يوجد مدنيون في غزة، لا يوجد أطفال ولا توجد نتائج للأفعال. الرغبة في الثأر بعد 7 أكتوبر وجدت تعبيرها في قتال وحشي وعديم الآثار يخرق بفظاظة أحكام الحرب وأخطر من ذلك – يصم الدولة بوصمة أخلاقية لأجيال إلى الأمام. فضلا عن ذلك فإن التدمير المكثف للبيوت وللبنى التحتية في شمال القطاع واستعداد الجيش للاستيلاء على الأرض من خلال شق محاور وإقامة بنى تحتية يدل على أن في نيته البقاء هناك تمهيدا لضم فعلي وإقامة مستوطنات حسب نموذج الضفة. على إسرائيل أن تهجر خطة الجنرالات وأن توقف الكارثة الإنسانية. حان الوقت للسعي بصدق للتوقيع على صفقة مخطوفين ووقف الحرب.