أمس، بات هذا رسميا: إسرائيل تقاد من قبل رئيس وزراء يعرض للخطر أمن الدولة.
إقالة وزير دفاع في منتصف الحرب هي حدث غير مسبوق. حقيقة أن هذا حصل ليس بدوافع مهنية بل انطلاقا من خلطة سياسية هي صفعة رنانة لكل من دفعوا الثمن الرهيب للحرب، وكل من يخدمون الآن في النظامي، في الدائم وفي الاحتياط. هم يعرفون الآن اكثر من أي وقت مضى بأن ليس أمن الدولة هو الذي يقف أمام ناظر من بعث بهم الى ميدان المعركة بل نزوات شخصية وحزبية.
مثلما هو الحال دوما، عندما يكون بنيامين نتنياهو مطالبا بأن يختار بين مصلحة الدولة ومصلحته الشخصية هو يختار نفسه. خط مباشر يمر بين إقالة وزير الدفاع غالنت وبين ترك 101 مخطوف لمصيرهم في أيدي حماس. هذا الخط يربط بين نقاط أخرى: تملص نتنياهو المتواصل من أخذ المسؤولية عن قصور 7 أكتوبر والهجوم المتزامن واللاذع الذي يخوضه من خلال محيطه وأبواقه ضد قيادة جهاز الأمن ورؤساء جهاز القضاء. في نظره كل هؤلاء هم أعداء خطيرون: بعد غالنت سيأتي دور هرتسي هليفي، روني بار وغالي بهرب ميارا الذين يقفون في طريق نتنياهو عديمة الكوابح نحو حكم الفرد. من رأى نفسه بصفة ونستون تشرتشل الحديث يتبين الآن كصورة لجوزيف ستالين الذي قطع بمنهاجية رؤوس كبار رجالاته.
التفسير الذي قدمه نتنياهو أمس لإقالة غالنت كان بائسا بقدر لا يقل عن الفعل ذاته. فغياب التوافق هو ليس علة للإقالة بل لتجويد طرق العمل. السبب الحقيقي ظاهر للجميع: محاولة نتنياهو لإعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، والتي رفض غالنت المساهمة فيها وعن حق. غالنت كان وزير دفاع مخلصا لأمن الدولة، وكذا وزير دفاع مهني وجزيرة استقرار وسواء عقل في داخل المعمعان العظيم. استبداله الآن - عندما تكون المعركة تدور في غزة وفي لبنان، وعشية جولة ضربات أخرى مع إيران – هو ليس أقل من سائب. للوزير الجديد سيستغرق وقتا طويلا إلى أن يعرف كيف يميز بين فرقة وكتيبة وبين دبابة ومجنزرة. ثمن التعلم سيدفع بالدم، دماء أفضل أبنائنا.
حقيقة أن إسرائيل كاتس ساهم في هذه الخلطة تشهد عليه أيضا. التواضع لم يكن في أي مرة من مزاياه البارزة لكن موافقته على الخطوة تشهد على أنه هو أيضا فقد كل كابح ولجام. أما بالنسبة لجدعون ساعر، الرجل الذي وصف الإقالة السابقة لغالنت السنة الماضية بأنها "فعل جنون"، يثبت مرة أخرى بأن أنفه يتكيف بسرعة مع كل عفن وإن كانت النتانة الحالية التي يشارك فيها الآن سيكون صعبا جدا تطهيرها.
وكل هذا يحصل حين ينكشف صبح مساء المزيد من الشهادات على شبهات خطيرة بمخالفات جنائية في المحيط القريب لنتنياهو. ينبغي الأمل في أن يحقق فيها حتى النهاية قبل أن تستكمل مسيرة تطهير الخدمة العامة، لكن حتى ذلك الحين – في إعادة صياغة لأقوال دافيد بن غوريون – فلتعلم كل أم عبرية أنها سلمت مصير ابنها في أيدي رئيس وزراء ليس جديرا بذلك.