بعد الضغوط النفسية والاجتماعية والدراسية التي يواجهها طلاب الثانوية العامة على مدار عام كامل، ومع النظام الجديد الممتد لعامين، يجد بعض الطلبة أن الأولوية هي اختيار تخصص جامعي يميلون إليه ويجدونه يسيرا، من دون النظر إلى مستقبله المهني أو ما يرغبون بأن يكونوا عليه بعد التخرج.
ويتزايد الحديث اليوم عن أهمية التفكير العميق في المستقبل المهني للطلاب، بدلا من اختيار التخصص بناء على الأداء الأكاديمي أو حب مواد معينة في المدرسة. وكثيرا ما يقع الطالب في خطأ اختيار تخصص مثل الفيزياء، بسبب حبه للمادة، ليكتشف بعد التخرج أنه لا يرغب في التدريس أو يفتقر إلى مهاراته، مما يتركه عالقا في مهنة لا تستهويه، لأنه لم يفكر جيدا في مستقبله الوظيفي وكأن تركيزه منصب فقط على سنوات الدراسة الجامعية.
يذكر خبراء الاقتصاد أنه في بيئة عمل سريعة التطور، أصبح من الضروري توجيه الطلاب للتفكير في المجال الذي يرغبون في العمل به، وليس فقط في التخصص الذي يحققون فيه نتائج دراسية جيدة. ويشير سامي محمد، مدرس الكيمياء لطلبة الثانوية العامة، إلى أن الطلاب غالبا ما يربطون اختيار التخصص بمدى تميزهم في مادة معينة، مثل الرياضيات أو العلوم، متجاهلين أن التفوق الأكاديمي في مادة ما لا يعني بالضرورة النجاح أو الرغبة في ممارسة وظيفة مرتبطة بها.
وفي هذا الجانب، تقول مدربة التنمية البشرية ندى المصري: "يجب أن يفكر الطالب في مساره المهني بناء على تطلعاته الشخصية وطموحاته المستقبلية، وألا يكتفي باختيار تخصص جامعي يبدو مريحا فقط. فالتفكير في العمل الذي يمكن أن يحقق له الرضا الشخصي والنجاح المهني هو أمر أساسي للاندماج في سوق العمل وتجنب الوقوع في دوامة الملل والضغط بعد التخرج".
وتؤكد المصري أن التفكير في المهنة المطلوبة يسهم في بناء مسار واضح للطالب، ويزوده بالمهارات اللازمة للنجاح في هذا المسار. كما أن سوق العمل اليوم يحتاج إلى متخصصين لديهم شغف حقيقي ورؤية واضحة لما يريدون تحقيقه في حياتهم المهنية. إذ إن الطالب الذي يختار مساره المهني بناء على رؤيته وأهدافه المستقبلية يتميز بالالتزام والشغف، مما يعزز فرصه في التميز والتطور.
وتوضح المصري أن التفكير في المهنة التي يرغب الطالب بممارستها يدفعه إلى اكتساب المهارات المناسبة منذ بداية مشواره الجامعي، مما يمنحه القدرة على التكيف السريع مع متطلبات سوق العمل.
وتضيف أنه، على سبيل المثال، في ظل التسارع الكبير في مجالي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، فإن الطلاب الذين يختارون هذه المجالات بناء على ميولهم ووعيهم بمتطلبات السوق يصبحون أكثر قدرة على التكيف والتطور.
المرشدة التربوية والنفسية رائدة الكيلاني، تلفت إلى أنه ليس من الضروري أن يكون الشغف الأكاديمي مع الشغف المهني لدى الطالب؛ فكثير من الطلاب قد يتميزون في مواد علمية، لكن شغفهم الحقيقي قد يكون في مجالات إبداعية أو إدارية، مما يستدعي توجيههم نحو اختيار مهنة تتوافق مع شغفهم وإمكاناتهم الفعلية.
وتوضح الكيلاني أن الطلاب الذين يختارون مهنة مبنية على شغفهم الحقيقي يكونون أكثر إبداعا وإنتاجية، مما يعزز قدرتهم على الابتكار ومواجهة تحديات سوق العمل. ولن نجدهم، كما هو حال الكثيرين اليوم، يشعرون بالملل أو الإرهاق في وظائفهم؛ لأن العمل شيء يرتبط بشخصية الفرد. ولمن يواجه صعوبة في التكيف مع عمله، تنصح الكيلاني بالبحث عما يسعده في مجال عمله الحالي أو محاولة تغييره إذا أمكن.
ووفق الكيلاني، فإن على طلبة الثانوية العامة التفكير بعمق أكبر في مستقبلهم، وألا يقتصروا في خياراتهم الجامعية على نتائجهم في المواد الدراسية فقط، وهو خطأ شائع