عمان- تمنح المسافات الفرد فرصة لإعادة تقييم المواقف والأشخاص، وتساعده على رؤية الصورة من زوايا مختلفة. في لحظات البعد، تتضح أهمية ما كان يعتبر عاديا، وربما يتبين إن كان يعتقد بأنه ضروري لكن لم يكن كذلك، والعكس صحيح. النظر إلى المشهد من بعيد، سواء كان موقفا يمر به الشخص أو علاقة تربطه بآخر، يقربه من الحقيقة ويغير نظرته لأمور ربما يتم تضخيمها أو تجاهل سلبياتها. احيانا، القرب قد يضلل الفرد، إذ تجعل العواطف الشديدة التفاصيل تبدو غير واضحة، ولا تتجلى الصورة الكاملة إلا عند النظر إليها بعيدا عن تأثير القرب العاطفي. خالد(35 عاما)، يرى أن تقييم ما يحدث في الحياة يتطلب نظرة عادلة تجمع بين العقل والعاطفة. يعتقد أن هذا التوازن لا يمكن تحقيقه إلا من خلال أخذ مسافة آمنة تتيح تحليل الموقف ورؤيته بوضوح. بالنسبة له، البعد يوفر الوقت الكافي لفهم المشاعر بشكل أعمق واكتشاف مدى الحب الحقيقي تجاه الآخرين. خالد يعبر عن تجربته: "عشت لحظات صعبة غيرتني، لكنها عرفتني بقيمة الأشخاص في حياتي"، يتذكر موقفا كان على وشك أن يهدد علاقته الزوجية ويدفعه لخسارة كل شيء. لكنه قرر في اللحظة المناسبة أن يتراجع خطوة للوراء، لينظر إلى المشكلة من زوايا متعددة بعقله، وليس المتأثر بالعاطفة. خالد يوضح أن التواجد داخل المشكلة يجعل الرؤية غير واضحة، ويقلل من القدرة على التفكير الشامل في جميع الاتجاهات، مما يؤدي إلى تراكم الأخطاء دون الوصول إلى حلول. ويضيف، "القرب أحيانا يضعنا في حالة من التخبط، حيث تبدو ملامح الأمور باهتة، مما يعيق فرصة خلق لحظة تفاهم يمكن أن تنتصر فيها الحقيقة". تتفق أسماء نصر مع هذا الرأي، مؤكدة أن المسافات تمثل اختبارا حقيقيا للمشاعر، خاصة في أوقات الخلافات. وترى أن البعد يساعد على التخلص من المشاعر السلبية، ويعيد الأمور إلى حجمها الطبيعي، مما يتيح فرصة لحل المشكلات الكبيرة ومنح النفس بداية جديدة لاستعادة المكانة. أسماء تروي تجربتها مع ابنة عمها، حيث اكتشفت بعد خلاف بينهما أن القرب الزائد قد يدفعنا للاعتقاد بأن غفران الآخرين مضمون، مهما كان الألم الذي تسببنا فيه. وأشارت إلى أن هذا القرب قد يعزز قناعة خاطئة بأن الحب سيستمر بلا شروط. تضيف أسماء أن قرار الابتعاد، على الرغم من المحبة الكبيرة التي تحملها لابنة عمها، أسهم في تقريب المسافات بينهما بشكل غير متوقع. الابتعاد منح كل واحدة منهما فرصة لتقدير العلاقة بشكل أكبر، وأتاح لهما تقييمها بموضوعية، مما ساعدهما على إعطاء الحب الأولوية في إصلاح ما أفسدته التراكمات. توضح خبيرة علم الاجتماع فاديا إبراهيم أن تقييم الآخرين هو عملية أساسية تبني العلاقات وتحدد شكلها وقوتها. وتشير إلى أن هذا التقييم يحتاج إلى ذكاء اجتماعي وعاطفي، بالإضافة إلى مهارات الوعي الذاتي لفهم مشاعرنا وانطباعاتنا تجاه الآخرين. وترى أن تقييم الآخرين يسهم في تحديد مكانتهم لدينا وأفكارنا عنهم، مما ينعكس على سلوكنا وتصرفاتنا معهم. لذا، يجب أن يتم التقييم بدقة، كما لو كان اختبارا مهما، حيث نعطي كل شخص الدرجة التي يستحقها في حياتنا. وتؤكد أهمية العدل في التقييم، بحيث لا نظلم أحدا ولا نقلل من قيمته، وفي الوقت نفسه لا نعطي اشخاصا أكبر من قيمتهم الحقيقية. تشدد ابراهيم على ضرورة عدم الاعتماد على أداة واحدة في التقييم؛ فلا يمكن أن تكون العواطف وحدها هي المحرك، لأنها قد تقود نحو تضليل الحقائق، ولا يمكن الاعتماد على العقل فقط لأنه قد يجعلنا قساة وظالمين. كما تحذر من التسرع في الحكم على الآخرين بناء على موقف واحد أو استنادًا إلى آراء الآخرين عنهم. وتلفت إلى أن الاقتراب الزائد م