عمان - يعيش الأهالي اليوم مع أطفالهم واقعا مختلفا عما عاشوه في الماضي، حين لم تكن وتيرة الحياة سريعة كما هي اليوم، وكانت نافذتهم على العالم محدودة بما يقدمه لهم الأهل. أما اليوم، فقد انقلبت الأدوار، فأصبح الأطفال هم من يعرفون الأهل على مستجدات الحياة، بفضل التدفق المستمر للمعلومات عبر السوشال ميديا والمنصات الرقمية. في عالم استهلاكي متسارع، يجد الأهالي صعوبة في غرس قيمة الأشياء في نفوس أطفالهم، إذ تتبدل المنتجات بسرعة البرق، ما يجعل من الصعب تعليمهم تقدير ما يمتلكونه. العديد من الأطفال يكبرون من دون إدراك الجهد المطلوب لكسب المال أو العمل الشاق خلف كل سلعة يمتلكونها، وهذا يقلل من قدرتهم على التقدير، أو الشعور بالمسؤولية والامتنان. غياب التقدير لقيمة ما يملكونه وفي هذا السياق، تقول هناء وهي أم لطفلة في الثامنة من عمرها "أواجه مشكلة كبيرة مع ابنتي في التعامل مع ألعابها، فكل مرة أشتري لها لعبة جديدة، لا تمر أيام حتى أجدها مكسورة أو مرمية في زاوية الغرفة، فلا تعتني بها أبدا، وعندما أطلب منها الحفاظ عليها، تجيبني بلا مبالاة: لم أحبها أو أريد غيرها". تحاول هناء تعليمها أهمية الحفاظ على ما تملكه، لكنها تشعر بالإحباط عندما ترى أنها لا تقدر قيمة الأشياء ولا تدرك أنها تكلف المال والجهد. حالة أخرى لأحمد، وهو أب لطفل في العاشرة من عمره، يعاني مشكلة أخرى، يقول" ابني كلما رأى أصدقاءه يمتلكون شيئا جديدا، يطلب مني شراءه له فورا، سواء كان هاتفا، حقيبة مدرسية، أو حتى قلما ملونا، يشعر أنه يجب أن يمتلك كل شيء، من دون أن يسأل نفسه إن كان بحاجة إليه فعلا". يحاول أحمد أن يشرح له أهمية التمييز بين الحاجة والرغبة، لكنه يجد صعوبة في ذلك بسبب الضغوط المجتمعية والتأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال. في حين تشكو ليلى، وهي أم لطفل في الثانية عشرة من عمره، من عدم اهتمام ابنها بملابسه. تقول "يعود من المدرسة وثيابه متسخة أو ممزقة، ولا يهتم إن كانت جديدة أو غالية الثمن، وعندما أخبره أنني تعبت في شرائها وأنها ليست رخيصة، يرد علي بكل برود: اشتري لي غيرها". وتضيف أنها تحاول جعله يدرك أن المال لا يأتي بسهولة، لكنها تشعر أن البيئة المحيطة به تجعله غير مكترث بقيمة الأشياء. نزعة استهلاكية بعقول الصغار محمد عبدالرحمن أب لطفل في الصف السادس، يعاني من مشكلة أخرى، فيقول "أشتري له أقلاما، دفاتر، وحقيبة مدرسية جديدة كل فترة، لكنه يضيعها أو يرميها بلا مبالاة، حتى أحيانا يطلب مني شراء أشياء جديدة لأنه لم يجد أدواته القديمة، رغم أنها كانت بحالة جيدة". حاول محمد أن يعلمه أهمية الحفاظ على أدواته، لكنه يواجه صعوبة بسبب عدم إحساس ابنه بمسؤولية ممتلكاته. هذه الحالات ليست نادرة، بل يعاني منها الكثير من الآباء في ظل مجتمع استهلاكي، والحل يكمن، حسب خبراء، في تربية الأطفال على تقدير الأشياء منذ الصغر، عن طريق إشراكهم في قرارات الشراء، وتعليمهم كيف يأتي المال، وتعويدهم على تحمل المسؤولية تجاه ممتلكاتهم، فيمكن بناء جيل أكثر وعيا وامتنانا. ويؤكد التربوي الدكتور محمد أبو السعود أن غياب التقدير عند الأطفال يعود إلى عوامل عدة، منها التربية القائمة على تلبية جميع الرغبات من دون شروط، وتأثير وسائل الإعلام التي تروج للنزعة الاستهلاكية، إضافة إلى غياب إشراك الأطفال في فهم قيمة العمل والمال. ويقول "عندما يحصل الطفل على كل ما يريده من دون أن يبذل أي جهد، فإنه لا يدرك قيمة ما يملكه، بل يبدأ في اعتبارها أمرا مفروغا منه"، لذا ينصح بأن يعلم الأطفال الفرق بين الحاجة والرغبة، وإشراكهم في اتخاذ القرارات الم