عواصم - برزت القوات الكردية المتمركزة في سورية على مدى أكثر 12 عاما كلاعب رئيس، ولد مع إعلان وحدات حماية الشعب المعروفة بصلاتها بتنظيم حزب العمال الكردستاني عن تأسيس إدارة ذاتية في المناطق ذات الغالبية الكردية في شمالي وشمالي شرقي البلاد عام 2013. ومع سقوط نظام الأسد، يجد الأكراد أنفسهم عند مفترق طرق إستراتيجي، قد يعني التخلي عن الحكم الذاتي الكامل مقابل ضمانات بحقوق ثقافية محدودة أو تمثيل سياسي في سورية موحدة. قبل الوصول إلى هذه النتيجة، لا بد من الإشارة إلى مسيرة قوات سورية الديمقراطية (قسد) عبر سنوات الثورة وحتى سقوط نظام الأسد، فقد كرست الوحدات الكردية إدارتها لمناطق واسعة شمالي شرق سورية، وتوسعت رقعة سيطرة الوحدات الكردية تدريجيا من خلال المعارك التي خاضتها ضد فصائل المعارضة السورية، لتتوج رحلة صعودها العسكري والأمني مع انطلاق التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة "داعش" بقيادة الولايات المتحدة في 2014، معلنة عن تأسيس قوات سورية الديمقراطية (قسد)، لتكون شريكا رئيسا لواشنطن في القضاء على تنظيم الدولة. بموجب هذا التعاون، كرّست الوحدات الكردية إدارتها لمناطق واسعة شمالي شرقي سورية، وهي منطقة غنية بالنفط والموارد الزراعية وتشكّل نحو ثلث الأراضي السورية، ولم تخف طموحاتها للانفصال تارة، وتأسيس فدرالية داخل سورية تارة أخرى. لكن هذا الصعود أصبح معرضا للخطر مع انهيار النظام السوري، وصعود حكومة جديدة في دمشق تتمتع حتى الآن باحتضان إقليمي وقبول دولي حذر، حيث باتت خياراتها للحفاظ على بعض مكاسبها محدودة. تمكنت الوحدات الكردية من تثبيت دعائم حكمها لمنطقة الجزيرة السورية من خلال تحالفات معقدة، فقد كانت تتجنب منذ البداية المواجهة المباشرة مع قوات النظام المخلوع. ويرى محللون أن النظام المخلوع تحالف ضمنا معها مفسحا لها المجال للسيطرة العسكرية على مناطق الثقل الكردية، للتركيز على سحق الثورة السورية وفصائلها المتمركزة في غربي وشمالي البلاد. كما أثار تحالف الولايات المتحدة معهم غضب تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ تصنف أنقرة وحدات حماية الشعب منظمة إرهابية بوصفها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني. في النصف الثاني من عمر الصراع السوري، شنت تركيا عمليات عسكرية متكررة عبر الحدود للحد من توسع سيطرة الوحدات الكردية، ووجهت لها ضربات متتالية لا سيما في عملية غصن الزيتون التي أدت إلى طردها من عفرين عام 2018، وفي كل مرة كانت واشنطن تمارس ضغوطا على حليفتها أنقرة لمنعها من سحق "قسد". ومع شن فصائل إدارة العمليات العسكرية عملية ردع العدوان في حلب في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، شنت فصائل الجيش الوطني المتحالفة مع تركيا عملية موازية باسم فجر الحرية، تمكنت خلالها من طرد الوحدات الكردية من عدة مناطق أبرزها تل رفعت ولاحقا منبج، حيث ما تزال تجري بعض المناوشات حتى الآن، في ظل اتفاق هدنة هش توسطت فيه أيضا الولايات المتحدة. ومع اكتمال سقوط الأسد في دمشق تغيرت قواعد اللعبة، فالحكومة السورية الجديدة أعربت عن نيتها استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، وسط ضغوط من تركيا لحسم الأمور سريعا. وفي الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة التي لم يعد لديها مصلحة في البقاء بعد هزيمة "داعش" وسقوط الأسد في الإعداد للانسحاب التدريجي من سورية، تاركة "قسد" من دون حليف. ويرى الباحث البارز ومدير برامج سورية ومكافحة الإرهاب والتطرف بمعهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر، في المقال المنشور بمجلة فورين أفيرز، أن "قسد" تواجه الآن 3 خيارات رئيسة، ولكل منها مخاطره.