غزة - مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تستقبل غزة الشهر الفضيل بقلوب مثقلة بالحزن، ومدن غارقة في الدمار، وأزقة يلفها السواد.
ولطالما كان رمضان شهر الفرح والتآلف، حيث تنبض الأسواق بالحياة، وتتزين الشوارع بالفوانيس وأضواء الزينة، لكن للعام الثاني على التوالي يطلّ رمضان على غزة ضيفا على مدينة أنهكتها الحرب.
رجل الأعمال عبد المنعم لبد، صاحب مركز تسوق متخصص في الأدوات المنزلية والمفروشات بشمال غزة، يقول: "للمرة الثانية على التوالي منذ بدء الحرب، لم نستورد أدوات الزينة لشهر رمضان. لم أفكر في ذلك أصلًا، فالحزن يخيم على كل شيء، ولا مجال للاحتفال وسط هذا الدمار".
ويضيف لبد أن الاحتلال أحرق جميع مخازنه، التي كانت تحوي بضائع بقيمة أكثر من ثلاثة ملايين دولار، بالإضافة إلى المباني التي يملكها والتي سُوّيت بالأرض.
المشهد ذاته يتكرر في مركز تنيرة التجاري، الذي كان يعجّ بالمستلزمات الرمضانية من أجبان وألبان وتمور ومشروبات، لكنه اليوم يفتقد للزينة المعتادة، احترامًا للجرح النازف في غزة.
صاحب المركز محمد تنيرة يقول: "هذا العام لم نعلق أي زينة، فالحداد عامّ، والشهداء والجرحى والمفقودون هم أولويتنا قبل أي شيء آخر".
ورغم توفر بعض المواد الأساسية التي سمح الاحتلال بدخولها، فإن الأسعار المرتفعة تفوق قدرة المواطنين المنهكين اقتصاديًا.
"لا توجد قوة شرائية"، يقول تنيرة، "فالناس بلا مصادر دخل بعد أن تم تدمير كل مكونات الاقتصاد في غزة".
أسر بلا مأوى.. رمضان
في الخيام
بينما تعيش الأسواق ركودًا غير مسبوق، هناك من يستعد لرمضان تحت وطأة التشرد والجوع. المواطن خالد أبو لبدة، من سكان رفح، فقد منزله ويعيش الآن في خيمة بمواصي خان يونس، جنوب القطاع.
يقول بأسى: "يدخل علينا شهر رمضان للمرة الثانية ونحن بلا بيوت. أعيش أنا وعائلتي وأطفالي في خيمة لا تقي البرد والمطر. نقف لساعات في طوابير للحصول على الطعام من التكايا، ونسير لمسافات طويلة لتوفير المياه الصالحة للشرب".
ويضيف: "لم تعد طقوس رمضان كما كانت قبل الحرب. أطفالي يسألونني عن فانوس رمضان، لكن كيف أشتريه؟ لا نملك حتى ثمن الطعام. في ظل هذا الحزن، لا مجال للفرح، فآلاف الشهداء والمفقودين، وحجم الدمار الهائل، يجعلان من المستحيل أن نشعر بأجواء رمضان كما في السابق".
المسن سامي أبو الخير، من سكان حي الشجاعية شرق غزة، يعيش مع 20 فردًا من عائلته في منزل مدمر جزئيًا، بينما تعاني زوجته أمراضا مزمنة، وابنته السرطان.
يقول: "أحاول بالكاد توفير الحد الأدنى من الطعام والدواء، فكيف سأستقبل رمضان؟".
ويضيف بحرقة: "غزة شاحبة، لا مجال للفرح، حتى المشاعر الدينية سلبها الاحتلال منا، فقد دُمرت جميع المساجد حولنا، ولا نعرف كيف سنؤدي صلاة التراويح أو قيام الليل. كل المساجد التي كنا نصلّي فيها تحولت إلى أنقاض".
وبحسب تقرير لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، فقد استهدف الاحتلال أكثر من 1109 مساجد، منها 834 دُمرت بالكامل، ما يعادل 89 % من مساجد القطاع.
الاقتصاد منهار.. والبطالة والفقر في ذروتهما
ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فقد أدت حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة إلى انهيار المنظومة الاقتصادية، وارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة. فمع نهاية عام 2024، تشير التقديرات إلى استمرار الانكماش الحاد غير المسبوق في الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة تجاوزت 82 %، مترافقا مع ارتفاع معدل البطالة إلى 80 %.
الخبير والمحلل الاقتصادي ماهر الطباع يقول: "يأتي رمضان هذا العام بعد حرب استمرت 470 يومًا، خلّفت دمارًا هائلًا وأوضاعًا اقتصادية وإنسانية كارثية غير مسبوقة. ا