بعد مرور أكثر من شهر على اتفاقية الهدنة بين المقاومة في غزة والاحتلال الإسرائيلي، والتي تم تمديدها مؤخرًا لتشمل فترة ما بعد عيد الفصح اليهودي وعيد الفطر، تجد غزة نفسها على مفترق طرق حاسم: إما المضي قدمًا نحو إعادة الإعمار والاستقرار، أو العودة إلى دوامة العنف والدمار. الحرب الأخيرة خلفت خسائر فادحة، إذ ارتقى أكثر من خمسين ألف شهيد، وما يزيد على مائة ألف مصاب، وتدمير واسع للبنية التحتية، مما جعل غزة تعاني من أزمات إنسانية حادة تستدعي تدخلًا سريعًا لإعادة الإعمار.
وفي هذا السياق، تبدو المقاومة في غزة غير متحمسة لعودة الحرب، خاصة في ظل الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية والحاجة الماسة لإعادة الإعمار. كما أن الرأي العام داخل إسرائيل، باستثناء بعض الفئات، لا يميل إلى استئناف العمليات العسكرية بعد تكبد خسائر كبيرة في الحرب الأخيرة. لكن في المقابل، تبرز قوى اليمين المتطرف داخل حكومة بنيامين نتنياهو كعامل رئيس يدفع باتجاه إعادة إشعال الصراع. شخصيات مثل إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي المستقيل، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الحالي، يدفعان باتجاه تصعيد جديد. فبينما يدعو بن غفير إلى محو غزة بالكامل وتهجير سكانها، يركز سموتريتش على خطط لضم الضفة الغربية أيضًا. هذا الوضع المتقلب يعطي مؤشرات على أن الحرب قد لا تكون قد انتهت بشكل نهائي، بل هي في حالة تجمّد مؤقت.
وفي إطار التصريحات الأخيرة، في الخامس من مارس، خرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتصريح أكد فيه أن الحرب في غزة «لم تنتهِ بعد»، وفقًا لتقرير نشرته وكالة «رويترز». هذه التصريحات تتماشى مع الضغوط التي تمارسها أوساط اليمين المتطرف، والتي ترى في استمرار الحرب وسيلة لتحقيق أهداف سياسية داخلية، خصوصًا مع تراجع شعبية الحكومة الإسرائيلية. وهنا يبرز السؤال: هل ستنجح هذه الضغوط في إعادة غزة إلى ساحة الحرب، أم أن الهدنة الهشة ستتحول إلى نهاية دائمة للصراع؟
من جهة أخرى، تحاول القوى الدولية تجنب العودة إلى التصعيد. فمجموعة الدول السبع (G7) أعربت عن دعمها لخطة عربية تهدف إلى إعادة إعمار غزة وإعادة الاستقرار إليها، وفقًا لبيان صادر عن القمة الأخيرة للمجموعة. ولكن هذه الخطة تأتي بشروط تتعلق بضمانات أمنية تمنع استئناف الحرب وضمان أمن الطرفين. وهنا يبرز التحدي الأكبر: هل يمكن لهذا الدعم الدولي أن يحول دون انهيار الهدنة الهشة ويعيد غزة إلى مسار الإعمار والسلام؟
في هذا السياق، يبرز الدور العربي، بقيادة الأردن ومصر وقطر، كعامل أساسي في تثبيت الهدنة ومنع التصعيد. فقد كثّف الأردن، بقيادة الملك عبدالله الثاني، جهوده الدبلوماسية لدعم الاستقرار في غزة، مؤكدًا على ضرورة حماية حقوق الفلسطينيين وتعزيز جهود إعادة الإعمار. كما لعبت مصر دورًا محوريًا في الوساطة بين الأطراف المتنازعة من خلال تسهيل المفاوضات وضمان استمرار التهدئة، وفقًا لتصريحات وزارة خارجيتها. وإضافة إلى ذلك، قامت قطر بدعم المبادرات الدبلوماسية وتعزيز الجهود التفاوضية لتقديم حلول شاملة تُساهم في تحقيق تسوية سياسية عادلة وإنهاء الأزمة بصورة مستدامة. ورغم أن هذا الموقف العربي المشترك يمنح أملاً بإمكانية تفادي تجدد النزاع، إلا أن نجاحه يظل مرهونًا بتعاون كافة الأطراف المعنية.
وتلعب صفقة تبادل الأسرى والرهائن دورًا محوريًا في تحديد مصير الهدنة، حيث تسعى المقاومة للإفراج عن أكبر عدد ممكن من الأسرى الفلسطينيين، بينما تواجه حكومة نتنياهو انقسامًا حادًا بين تيارين داخليين متعارضين. فمن جهة، تضغط عائلات الرهائن الإسرائيليين لإتمام الصفقة بأي ثمن، معتبرة أن تأخيرها يعرض