العدوان الصهيوني على قطاع غزة، والذي تجدد منذ يومين، يعيد خلط الأوراق في المنطقة بكاملها، إذ بات من المؤكد أن تل أبيب ماضية في مخطط الإبادة الجماعية والترانسفير لسكان القطاع، بينما تأتي "مباركة" واشنطن للعدوان كما الضوء الأخضر لتنفيذ هذا المخطط. الكيان الصهيوني أبلغ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل بدء عدوانه، ولا يبدو أن واشنطن تتذكر تصريحات ترامب وتأكيداته المستمرة بأنه يريد إنهاء هذه الحرب، أو تلك التصريحات التي أطلقها قبيل إعادة انتخابه، وهو أنه لا يسعى إلى إشعال الحروب، بل إلى إطفائها. دولة الاحتلال سوف تلجأ إلى الاستفادة القصوى من "التفويض" الأميركي الجديد، وسوف لن تتورع عن ارتكاب المذابح والتهجير، ما دام سيد البيت الأبيض يهز رأسه بالموافقة على هذه الأعمال. لكن الأمر يتعدى ذلك، فإدارة ترامب تعمد بنفسها إلى إشعال المنطقة، من خلال القصف الذي تنفذه على اليمن الشقيق، مستهدفة تنظيم الحوثي. التعثر في التوصل إلى بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، خرقه الاحتلال بضغطه من أجل تمديد المرحلة الأولى، بينما أرادت حركة حماس أن يلتزم الاحتلال بالاتفاق، وأن يدخل المرحلة الثانية، والتي تستوجب انسحابا كاملا لجيش الاحتلال من غزة، وتشمل أيضا إطلاق سراح جميع الأسرى الصهاينة الأحياء. لكن إنهاء العدوان لا يصبّ في مصلحة رئيس وزراء الكيان، بنيامين نتنياهو، ولا أعضاء حكومته اليمينية المتطرفة، لذلك فهو يهرب إلى الأمام من الاستحقاقات الداخلية، ويشعل فتيل العدوان الذي يعتقد أنه الطريق الوحيد للإبقاء على تماسك ائتلاف حكومته من جهة، ويدغدغ عواطف اليمين الصهيوني الذي يتنامى داخل الكيان، والذي يؤمن بـ"إسرائيل الكبرى"، بغض النظر عما تستوجبه مثل هذه التسمية العنصرية. في الأثناء، لا نرى أحدا في واشنطن يقول شيئا عن المبادرة العربية التي تمّ إطلاقها أخيرا في مؤتمر القاهرة، والتي تقدم خطة، اعتبرتها دول عديدة بأنها ملائمة لإعادة إعمار القطاع دون ترحيل سكانه، وتأهيل السلطة الفلسطينية وتمكينها من بسط سلطتها فيه. يبدو واضحا أن تل أبيب لا تبحث عن تحقيق أهداف تتعلق بالتهدئة، بل عن حرائق جديدة تمكنها من لعب الدور الذي تجيده، وهو الاستيلاء على أراض جديدة تمكنها من توسيع مستعمراتها، وهو ما نراه واضحا كذلك في سلوكها العدواني داخل مناطق الضفة الغربية المحتلة، وشنها العديد من الهجمات على التجمعات السكانية فيها، خصوصا على المخيمات التي تحاول أن ترحّل سكانها، وأن تنهي كل ما يتعلق بها، بما فيها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، التي لا تخفي مخططاتها تجاهها، ومحاولاتها إنهائها، ودفع دول العالم لسحب اعترافها بها، تمهيدا لإسقاط حقوق الفلسطينيين المهجرين. كما نراه واضحا في احتلالها أجزاء واسعة من سورية، وعدم ترددها في تنفيذ اعتداءات متكررة في الأراضي اللبنانية، مع تأكيداتها المتكررة بأنها تعتزم الإبقاء على تواجد قواتها في بعض الأراضي اللبنانية. المنطقة ليست في طريقها إلى التهدئة، بل على العكس من ذلك، فالحرائق تشتعل في كل مكان، خصوصا أن الاحتلال يستهدف الجميع اليوم، ولا يخفي نوازعه التوسعية باتجاه الدول المجاورة، في حين نرى إدارة الرئيس ترامب تستعدي دول العالم كله، بما فيه حلفاءه التقليديين، بينما تظل ملتزمة بدعم توجهات حكومة تل أبيب المتطرفة، بلا تردد. إنه صيف لاهب قادم على المنطقة، ولا أحد يدري ما الأحداث التي سوف يجلبها معه!