لم يكن التاريخ يومًا إلا مرآة تعكس سلوك الأمم وطبائع الشعوب، وما أشارت إليه النصوص القرآنية عن بني إسرائيل يتجلى اليوم بوضوح في ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في عدوانه المستمر على غزة. تلك الجرائم التي تتكرر بلا رادع تعيد للأذهان ما وثّقه القرآن عنهم، من نقض للعهود، وقتل للأنبياء، وسفك للدماء، وتحريف للحقائق، وكأننا نعيش مشاهد تاريخية تتجدد أمام أعيننا في أكثر صورها وحشية.
إسرائيل لم تكن يومًا دولة تحترم المواثيق والاتفاقيات، بل جعلت من الغدر والنكث بالعهود سياسة ثابتة. فمنذ اتفاقيات أوسلو التي خدعت بها الفلسطينيين بوهم السلام، إلى وقف إطلاق النار الذي تنقضه في كل مرة لتعود إلى سياسة الأرض المحروقة، أثبتت مرارًا أنها لا تفهم إلا لغة القوة، تمامًا كما وصفها القرآن: “أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” (البقرة: 100). وهذا ما نشهده اليوم في غزة، حيث لم تلتزم إسرائيل بأي هدنة أو تعهد، بل حولت القطاع إلى ساحة حرب مستمرة، تقصف بيوت المدنيين، وتستهدف المستشفيات، وتمنع حتى الماء والدواء، في خرق صارخ لكل القوانين الدولية والإنسانية.
وحشية الاحتلال تتجلى في عمليات القتل العشوائي التي لا تستثني طفلًا ولا شيخًا، فدماء الأبرياء تسفك بدم بارد، والقنابل تُلقى على رؤوس العزل، في مشهد يعيد إلينا وصف القرآن لسفكهم لدماء الأنبياء بغير حق، وتحذيره من قلوبهم القاسية التي لا تعرف الرحمة. في غزة، يُذبح الأطفال أمام أنظار العالم، في مجازر تضاف إلى سجل إسرائيل الأسود، ولكن المجتمع الدولي يكتفي بالصمت، بل يمنحها الغطاء السياسي لمواصلة جرائمها، وكأن دماء الفلسطينيين لا تساوي شيئًا.
أما الإعلام الغربي، فهو أداة أخرى من أدوات التحريف، يبرر جرائم الاحتلال ويصنع الأكاذيب، محاولًا قلب الحقائق وتصوير الضحية وكأنها الجلاد. هذه ليست مجرد دعاية سياسية، بل استمرار لمنهج بني إسرائيل في تزوير التاريخ وتحريف الكلم عن مواضعه، كما قال الله تعالى: “فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ” (البقرة: 79). فاليوم، لا يكتفون بالقتل، بل يريدون محو الحقيقة وتزويرها، ليبرروا احتلالهم وعدوانهم أمام العالم.
رغم كل هذه الجرائم، ورغم جبروت الاحتلال ودعمه الدولي، فإن النصر لا يُوهب، بل يُنتزع. الإسلام لم يدعُ إلى الاستسلام أمام الظلم، بل أمر بالثبات والمقاومة حتى الرمق الأخير. قال تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، وهذه القوة لا تقتصر على السلاح، بل تمتد إلى الوعي، والوحدة، وفضح جرائم الاحتلال، ودعم المقاومة بكل السبل المتاحة. غزة اليوم ليست مجرد أرض محاصرة، بل هي ميدان معركة الحق ضد الباطل، وملحمة تُعيد رسم معادلة القوة، وتؤكد أن هذا الاحتلال، مهما امتلك من ترسانة عسكرية، فإنه لا يستطيع كسر إرادة شعب قرر أن يقاتل حتى النهاية.
إسرائيل اليوم تكرر تاريخها الأسود، تقتل، وتخدع، وتنقض العهود، وتحاول طمس الحقيقة. ولكن كما هو الحال دائمًا، فإن الباطل زائل مهما تجبر، والشعوب التي تقاتل من أجل حريتها لا تُهزم، لأن سنن الله في الأرض ثابتة، والوعد الإلهي لا يتبدل: “وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج: 40).