نسرين الطويل
ما الذي يجعل الروح تتوهج مثل شعلة لا تنطفئ؟ وكيف يمكن للفكر والثقافة أن يكونا الوقود الذي يغذي هذه الشعلة؟ الروح، ذلك السر الإلهي الذي ينبض في أعماقنا، ليست مجرد كيان غامض، بل هي الجسر الذي يربطنا بالكون وبأنفسنا. إنها كالنبتة التي تحتاج إلى تربة خصبة من الأفكار وماء الثقافة لتزدهر، فتصبح قادرة على رؤية الجمال حتى في أكثر اللحظات ظلامًا. كما قال الفيلسوف اليوناني أرسطو: "الروح هي ما يجعلنا بشرًا"، وعندما نربط هذه الروح بالفكر النقدي، كما فعل ديكارت في قوله "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، نرى كيف أن التفكير هو الجسر بين الروح والوجود.
أما الثقافة، فهي كما وصفها ت.س. إليوت، "النهر الذي يحمل تراث الأجداد إلى أحفادهم"، مما يجعلها مصدرًا لا ينضب لتغذية الروح.
الفكر هو الشمعة التي تضيء طريق الروح في ظلام الجهل، بينما الثقافة هي المرآة التي تعكس ألوان الحياة وتجعل الروح ترى نفسها في كل شيء. الحواس هي الأدوات التي تربطنا بالعالم، لكنها ليست مجرد نوافذ نطل منها على الخارج، بل هي جسور نعبر من خلالها إلى أعماق أنفسنا. كلما أتقنا استخدام حواسنا، كلما ازدادت قدرتنا على تحويل التجارب إلى معرفة، والمعرفة إلى أفكار إبداعية. الدهشة، تلك اللحظة السحرية التي نكتشف فيها شيئًا جديدًا، هي الوقود الذي يدفعنا إلى البحث والسؤال. أما الحدس، فهو ذلك الصوت الداخلي الذي يرشدنا إلى الحقيقة دون الحاجة إلى أدلة ملموسة، وهو يعتمد على حساسية الروح وقدرتها على التقاط الإشارات الخفية من العالم.
لكي نغذي أرواحنا بالفكر والثقافة، يمكننا اتباع خطوات بسيطة ولكنها عميقة: اقرأ بوعي كتبًا تتحدى تفكيرك، تأمل في الفن من خلال الموسيقى والأفلام واللوحات، حاور الآخرين في نقاشات ثقافية وفكرية، ومارس الإبداع عبر الكتابة أو الرسم. عندما سُئل العالم العربي ابن رشد عن سر عظمته، قال: "لأنني لم أتوقف عن السؤال"، وهذا يلخص دور الفكر في تغذية الروح. في النهاية، الروح ليست مجرد جزء منا، بل هي نحن، والفكر والثقافة هما الأداتان اللتان تحولان وجودنا إلى رحلة مليئة بالمعنى والجمال.
فلنحرص على أن نغذي أرواحنا يوميًا بالمعرفة، ولنجعل من القراءة والتأمل والفن طقوسًا مقدسة في حياتنا، لأن الروح التي تتغذى بالمعرفة هي روح لا تشيخ، ولا تموت، بل تظل متوهجة، كشمس لا تغيب.
.