كتب د. محمد عبدالله القواسمة من أكثر المفردات المستخدمة في الشعر العربي مفردة الرحيل، وما يتعلق بها من مترادفات، وألفاظ ذات المعاني القريبة، مثل: السفر والتنقل والذهاب، والترحال والرواح والنفي، والمغادرة والهجرة والتهجير، والترحيل والرحلة، وما يقابلها من المفردات التي ينتهي إليها الرحيل، مثل: الحل والإقامة، والتوطين والتخييم وغيرها. فمن الواضح أن الإنسان يقضي حياته في رحيل دائم، يرتحل من مكان إلى آخر غصبًا وإجبارًا، أو طوعًا واختيارًا. فهو يبدأ الرحيل الإجباري وهو في بطن أمه، فبعد أن يمضى في بطنها تسعة أشهر منعمًا مكرمًا، يُطرد من ذلك الفردوس إلى عالم الناس. وفي عالم الناس يكابد الإنسان الحياة، ويواجه أثقالها ومصائبها حتى ينتهي به المطاف إلى رحيل آخر، وهو الرحيل الأبدي أي الموت. فالبداية تشبه النهاية وإن كانت النهاية أشد قسوة وآلامًا. وبين الرحيلين قد يستمر تعرض الإنسان إلى أصناف من الرحيل الإجباري. وقد عبّر الشعراء العرب عن هذا النوع من الرحيل في كثير من قصائدهم: ففي معلقة زهير بن أبي سلمى، يرتحل القوم من عبس وذبيان من ديارهما في حومانة الدراج والمتثلم؛ بسبب الحرب التي نشبت بينهم، بعد سباق بين الحصان داحس والفرس الغبراء. يتناول الشاعر زهير هذا الصراع الذي دار أربعين سنة بين أبناء عشيرة غطفان، التي تنتمي إليها القبيلتان. يقول إنه رأى أطلال حبيبته أم أوفى في الرقمتين، بعد عشرين سنة من الحرب كأنها والظباء تسرح بينها بقايا الوشم في المعصم: أَمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَـةٌ لَمْ تَكَلَّـمِ بِحَـوْمَانَةِ الـدُّرَّاجِ فَالمُتَثَلَّـمِ ودَارٌ لَهَـا بِالرَّقْمَتَيْـنِ كَأَنَّهَـا مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِي نَوَاشِرِ مِعْصَـمِ بِهَا العِيْنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِينَ خِلْفَـةً وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجَّةً فَـلأيَاً عَرَفْتُ الدَّارَ بَعْدَ تَوَهُّـمِ وإن كان...