كتب أ. د هاني الضمور - لا يمكن لأي أمة أن تزدهر أو تنهض دون أن تكون جذورها مغروسة في تاريخها وتراثها الثقافي. إن التعليم هو الأساس الذي تقوم عليه المجتمعات، فهو المرآة التي تعكس هوية الأمة وتشكّل عقول الأجيال القادمة. ومع ذلك، فإن التغييرات التي شهدتها المناهج التعليمية في الأردن مؤخرًا أثارت جدلاً واسعًا حول مدى تأثيرها على الحفاظ على هذه الهوية.

في السنوات الأخيرة، شهدت المناهج التعليمية في الأردن تغييرات متسارعة، كان آخرها إدراج شخصيات فنية مثل سميرة توفيق، وأم كلثوم، وعبده موسى في منهاج الصفين الرابع والثامن. وبينما لا يمكن لأحد أن ينكر القيمة الفنية لهؤلاء الشخصيات في الساحة الفنية العربية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل هذا هو الوقت المناسب والمكان المناسب لتعريف طلابنا بمثل هذه الشخصيات؟ هل تتناسب هذه الخطوة مع الأولويات التعليمية التي تحتاجها الأجيال الشابة في مواجهة التحديات العصرية؟

عندما ننظر إلى التاريخ، نرى أن الأبطال الوطنيين مثل فراس العجلوني وغيرهم من الأعلام العسكرية الأردنية قد تم إزالتهم من المناهج لصالح شخصيات فنية. إن هذه الخطوة لا تعني فقط تهميش بطولات الأبطال الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للدفاع عن الوطن، بل تعني أيضًا تغييب جزء كبير من الذاكرة الوطنية التي يجب أن تُرسَّخ في عقول الأجيال الجديدة.

إن الثقافة الوطنية ليست مجرد أغنيات وألحان، بل هي مزيج من التراث والتاريخ والقيم التي تربط المواطن بوطنه وتُعزز انتماءه. التعليم هو الحصن الذي يحمي هذه القيم من الانهيار. إذا استمر التوجه الحالي نحو تغييب الشخصيات الوطنية الحقيقية وتقديم شخصيات فنية بحتة، فإننا نخاطر بتشكيل جيل يعيش في عزلة عن تاريخه وثقافته الأصلية.

إن الهوية الوطنية تُبنى من خلال التوازن بين الجوانب الثقافية والفنية من جهة، والجوانب التاريخية والوطنية من جهة أخرى. لا يجب أن ننسى أن هناك دولًا نجحت في النهوض بأجيالها من خلال تعزيز الروح الوطنية وغرس القيم الأصيلة في نفوس طلابها منذ الصغر. والأردن ليس استثناءً، فنحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في المناهج التي يتم تدريسها لأطفالنا.

بناء جيل واعٍ ومتعلم يتطلب أن نضع أولوياتنا في نصابها الصحيح. بدلاً من التركيز على المشاهير والفنانين فقط، يجب أن نعمل على تعزيز روح الانتماء والتضحية في نفوس الشباب، وتعليمهم تاريخ بلادهم وأبطالها الذين صنعوا الفرق في الحفاظ على استقلالها وسيادتها.

في النهاية، الأمة التي تنسى تاريخها وتراثها محكوم عليها بأن تفقد هويتها. إذا أردنا أن نحافظ على هويتنا وأن نصنع مستقبلًا مشرقًا لأجيالنا، فإن علينا أن نضمن أن تكون المناهج التعليمية وسيلة لنقل قيمنا وتاريخنا، لا لتهميشه وتشويهه. علينا أن نعيد الأبطال الحقيقيين إلى مكانهم في مناهجنا وأن نكون أكثر حذرًا في إدخال العناصر الثقافية التي قد تُبعد أجيالنا عن هويتهم الأصلية.


.