كتب: كمال ميرزا

إذا كانت عملية تفجير أجهزة الاستدعاء (البيجر) وبعدها في اليوم التالي تفجير أجهزة اللاسلكي (الووكي توكي) بمثابة خرقين أمنيّين كبيرين تعرّض لهما "حزب الله"، فإنّ أحداً لا يستطيع أن ينكر أنّ اغتيال القائد الشهيد "إبراهيم عقيل" وأشقائه من قيادات الصفّ الأول في "قوات الرضوان" بعد حوالي (48) ساعة هو "إخفاق هائل" وليس مجرد "خرق أمنيّ"!

كيف تقوم بتجميع كلّ هذه القيادات في مكان واحد في مثل هذا التوقيت، وأنتَ أساساً تعاني من كثرة الجواسيس والعملاء والحاقدين المستعدّين لرفد العدو بالمعلومات والإحداثيّات، وفوق ذلك لستَ متأكداً بعد ما هو مُختَرق وما هو ليس مُختَرق من أجهزة ومعدات وبروتوكولات منظومة اتصالاتك؟!

ومع هذا فإنّ ما حدث على مأساويّته ليس كارثيّاً بالحجم التي يحاول العدو تصويره، ويشاركه في ذلك للأسف الكثير من الخونة والمتواطئين والمتخاذلين ومرضى النفوس وعديمي المروءة والشرف والشامتين من أبناء جلدتنا!

فبالنسبة للقائد "عقيل" وأشقّائه فإنّهم قد أفضوا للنهاية التي اختاروها وتمنّوها منذ اليوم الأول: شهداء على طريق القدس (ولا عزاء لنا نحن الجبناء).

وبالنسبة للمقاومة فقد تعلّمت درسها منذ وقت طويل، وما عادت تتبنّى في أساليب القيادة والإدارة والتحكّم والسيطرة المطبّقة لديها شكل "الهرم التقليديّ"، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالجوانب العمليّاتيّة والقتاليّة.

وما رأيناه في غزّة لغاية الآن بهذا الخصوص، هو نموذج مصغّر لما هو مطبّق لدى "حزب الله" من تنظيم عنقوديّ، وإحلال للقيادات، وقدرة كلّ فرد ضمن مجموعته على أن يتولّى عند الضرورة قيادة نفسه والمجموعة و/أو القيام بالمهام المنوطة بأي فرد من أفرادها في حال غيابه أو استشهاده.

مرّة أخرى، ما حدث هو ضربة موجعة، لكن العدو يحاول تهويل وقع هذه الضربة وتضخيم أثرها لأنّها تتعلّق تحديداً بقوّات الرضوان: البعبع الذي يخافه العدو وترتعد منه فرائصه!

لكن ما سرّ قوات الرضوان قياساً ببقية مرتّبات وتشكيلات "حزب الله"، والذي يجعل الكيان الصهيونيّ يخاف من هذه القوّات أكثر حتى مما يخاف من صواريخ الحزب ومدفعيته وطائراته المسيّرة؟!

قد يتسرّع أحدهم ويجيب أنّ قوّات الرضوان هي "قوّات النخبة" لدى "حزب الله"، وبالتالي فإنّ الخطر المتأتّي منها بحكم تدريبها وتسليحها وقدراتها هو بالضرورة أكبر من الخطر المتأتّي من بقية القوّات، والقضاء عليها هي أولويّة مسبّقة على القضاء على بقيّة القوّات!

لكن كون قوّات الرضوان قوّات نخبة، وتدريبها وتسليحها وقدراتها، كلّ ذلك يأتي نتيجةً وليس سبباً.. نتيجةً لعقيدة قوّات الرضوان القتاليّة مكمن خطورتها وسرّ الرعب الذي تمثّله للكيان!

فتاريخيّاً قد نشأ "حزب الله" من أجل تحرير ما هو مُحتَل من الأراضي اللبنانيّة، وخلْق توازن في الردع يمنع العدو من التفكير بإعادة الكرّة وغزو لبنان أو احتلال أجزاء منه.

هذه من حيث المبدأ عقيدة "حزب الله" بعمومه أو في مجمله.

لكن العقيدة القتاليّة لقوّات الرضوان على وجه الخصوص لا تتوقف عند مجرد فكرة الردع، وتتجاوزها نحو أخذ زمام المبادرة والهجوم، وغزو العدو في عُقر داره (مجازاً لأنّ فلسطين ليست دار هذا العدو)، وتحرير ما يمكن تحريره من أراضٍ محتلّة وبشكل مبدئيّ الجليل.

هذه العقيدة القتاليّة هي مكمن رعب الكيان لعدّة أوجه:

أولاً: مجرد الاجتراء على التفكير بغزو الكيان الصهيونيّ، والإيمان بإمكانية القيام بذلك، واستسهاله.. هذا بحدّ ذاته نسف لنظريتيّ الردع والأمن الإسرائيليّتين، واستهانة صريحة بهذا الكيان واستتفاه له، وتحطيم للصورة التي عمل على مدار عقود على رسمها وترسيخها لنفسه بأنّه مخيف ومرعب ولا يُقهر.

ثانياً: الغزو البريّ سيسلب العدو نقطة قوّته وميزته التفضيليّة المتمثّلة في التفوّق الجويّ وتنفيذ العمليات الاستخباراتيّة والتكتيكيّة عن بُعد.

ثالثاً: الغزو البريّ سيفضح مقتل العدو ونقطة ضعفه الأكبر التي ليس لها حلول، وهي خوف وجبن المقاتل الصهيونيّ وانسحاق روحه المعنويّة وانعدام كفاءته عند المنازلة وجهاً لوجه.

رابعاً: تعظيم ومضاعفة خسائر الكيان من جنود وآليات (فوق ما خسره على أيدي أبطال المقاومة في غزّة).

خامساً: المزيد من فضح هشاشة الجبهة الداخليّة للكيان وتهافتها.

سادساً: الحدّ كثيراً من قدرة حلفاء الكيان وداعميه على التدخل بشكل عمليّ ومؤثّر على الأرض، خاصة أمريكا التي ستعد للعشرة قبل أن تفكر بإرسال قوّاتها لخوض نزال بريّ مباشر مع قوّات الرضوان وجهاً لوجه.

سابعاً: وقوع مستوطنات وبلدات وقواعد بأكملها بيد المقاومة، وعدم قدرة الكيان وحلفائه على "تحريرها" إلّا بتدميرها على رؤوس مَن فيها وفي مقدمتهم مواطنو وجنود الكيان أنفسهم (تطبيق واسع النطاق لقانون هانيبال).

خلاصة الكلام، إذا كان "طوفان الأقصى" بمثابة صفعة استباقيّة مباغتة قد تسبّبت للعدو بالدوار وأخلّت بتوازنه، فإنّ ما فعلته المقاومة الفلسطينية يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر هو مجرد نموذج مصغّر ومُستلهَم ومستنسخ عمّا يمكن أن تفعله قوات الرضوان بالعدو متى ما حانت ساعة الصفر.

وفي هذه الأثناء، ماذا بقي في قبعة الساحر "نتنياهو" من حيل وفي جعبته من أوراق كي يخرجها ويستخدمها ويحرقها بكثافة وبسرعة وجزافاً من أجل الاستمرار في خداع "مواطنيه"، وإيهامهم بإمكانيّة النصر، والتشبث بموقعه، واستكمال المهمّة القذرة التي ينّفذها بالإنابة عن أمريكا ولوبيّات المال والأعمال وشبكة المصالح القذرة التي تحرّكها؟!


.