الطّالب محور العملية التعليمية وليس المعلم، هذا ما استقر عليه نظامنا التعليمي، وكان الأجدر بجهات التنظير والتخطيط في وزارة التربية والتعليم أن تنظر بعينين إثنتين للعملية التعليمية ولا تكتفي بالنظر بعين واحدة، فالعملية التعليمية لا تقوم بدون ركنيها الرئيسين المعلم والمتعلم.

وإن كنّا في قديم الزمان قد تعاملنا مع المعلم على أنّه وحده محور العملية التعليمية، ممّا أثقل عاتقه وقتها بعبء إنجاح العملية التعليمية وتحقيق أهدافها، فإنّ ما تم تحديثه من نظريات عالميّة في التعليم، لم تصلح الأمور بإقصاء المعلم، وإفراد المتعلم بمحوريّة العملية التعليمية.

إن الواقع التعليمي يفرض حقيقة مفادها أنّ المعلم والمتعلم جناحي طائر التعليم الذي لن يحلق بأحدهما دون الآخر، ولذلك صار من المنطق إعادة النظر في محورية التعليم لتشمل المعلم والمتعلم معًا، وعدم التعامل مع أحدهما منفردًا دونًا عن الآخر.

وللنهوض بالعملية التعليمية، وتحسين مخرجاتها، وبناء الطالب النفسي والمعرفي التراكمي والتكاملي، لا بدّ من تأهيل المعلمين وصقل مهاراتهم وتعزيز خبراتهم وإعدادهم الإعداد الخاص الذي يمكنهم من أداء مهامهم والقيام بواجباتهم على أحسن صورة.
وكجزءٍ من هذا التعزيز، أن نسمح لهم بتطوير أنفسهم، وتيسير وتسهيل ذلك عليهم، وهو الأمر الذي دعا إليه الملك عبد الله الثاني، وأكد عليه في جميع رسائل التكليف لرؤساء الوزراء، وفي الورقة النقاشية السابعة، وتكرر في العديد من المحافل.

عملت وزارة التربية والتعليم على ترجمة هذه التوجيهات الملكية إلى برامج عمل، وبدأ ذلك ببداية موفقة بشكل سلس، لكن سرعان ما تسربت لها بيروقراطيّة العمل داخل الوزارة وضعف المتابعة، وسوء إدارة الملف مع خلل في التخطيط، أدّى إلى جعل البعد المادي مقياس التوسع أو الانكفاء في تنفيذ خطط التطوير وتحقيق أهدافها، في ذات الوقت الذي لم تستطع الوزارة التخلي عن الفكرة وإظهار عجزها وفضح حقيقة نظرتها الماديّة الضيّقة، مما قادها منفردة إلى ضبط آفاق التطوير، وخطط التحفيز، ضمن قيود تعليمات رتب المعلمين.

من المفروض أن يسمح نظام الرتب للمعلم الطموح والنشيط أن يحقق طموحه، ويصل إلى مبتغاه من تطوير لذاته، وإرتقاء بمهاراته، ويجني ثمرة ذلك بالحصول على رتبة خبير أو مستشار تربوي..

لكن الوزراة بتعليماتها وضعت شروطًا قاسية جدًّا للانتقال من رتبة إلى أخرى، وذلك لضبط النفقات والحد من دفع العلاوات المترتبة على الرتب.

وبناءًا على ما سبق، أضحى الوصول إلى رتبة معلم خبير هو أمنية شبه مستحيلة للمعلم، فقد يتمكن الأستاذ الجامعي من الوصول إلى رتبة أستاذ مشارك، بشروط أسهل بكثير من وصول المعلم إلى رتبة معلم خبير.

ممّا قلّل أعداد المعلمين الذين تمكنوا من الحصول على رتبة معلم خبير وجعل الميدان يفتقر في سلسلة حلقاته لتلك الحلقة من القيادات التربوية في الميدان، وداخل الغرفة الصفية، مما شكل سببًا من أسباب تراجع مخرجات التعليم.

والسؤال الذي يتردد على لسان الكثير من المعلمين هو: لماذا تضع الوزارة شروطًا قاسية في طريق المعلم للحصول على الترقية؟!
إنّ تحطيم صورة المعلم الأردني وإظهاره بمظهر العاجز عن تطوير مهاراته، وغير القادر على تحقيق طموحه، من خلال سلب إرادته وتعجيزه بتعليمات لا تتوافق ومنطق التنمية البشرية الحديث، لا يخدم مصالح الدولة الأردنية، ولا يحقق الرؤية الملكيّة، ويؤثر سلبًا على مخرجات العملية التعليمية ككل.

إنّ سياسة اليد المقبوضة التي تمارسها وزارة التربية والتعليم، قد شوهت جميع الخطط التي وضعها الخبراء وأصحاب الاختصاص، من خلال الخطط الإجرائيّة وآليات التنفيذ التي تمارس على أرض الواقع في الميدان.

هذه دعوة إلى إعادة النظر بتعليمات الحصول على الرتب، لأننا باختصار إذا أردنا النهوض بالعملية التعليمية وتحسين مخرجات التعليم، لا بدّ من النهوض بالمعلم، وإزالة أية عقبات في طريقه لتطوير نفسه وتعزيز وتحديث خبراته وصقل مهاراته، لأن مالك الشيء يعطيه أما ضعيف التأهيل وفاقد الشيء فلا يعطيه.

.