في نظر قسم من العالم، فإن حديث ترامب عن نقل الغزيين إلى الأردن ومصر يمكن أن يبدو نوعاً من المباهاة، كالرغبة في شراء غرينلاند من الدانمارك، أو دمج كندا في الولايات المتحدة.
لكن في الشرق الأوسط، يُستقبل هذا الكلام بقلق وجدية. وككثير من مقترحات ترامب، فإن الفكرة توصف بـ"الصفقة" المنطقية، وتمتاز باعتبارات مادية، وتتجاهل تماماً الأبعاد الأيديولوجية والثقافية والذاكرة التاريخية والتوترات بين إسرائيل والعالم العربي والفلسطينيين، وهي المكونات التي بدت أنها أقوى من أي اعتبار آخر في الشرق الأوسط بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.
والفلسطينيون يشهدون "عودة الكابوس القديم"؛ فخلال ولايته الأولى، قوّض ترامب النموذج الذي سعى الفلسطينيون لترسيخه، وهو عدم قيام تسوية إقليمية من دون حل مسبق لمشكلتهم، ويتخوفون الآن من أن يُفرض عليهم بالقوة تغيير عميق في الواقع على الأرض. كما أن العالم العربي يشعر بصدمة بعد هذا الكلام الذي يثير مخاوف عميقة في الأردن ومصر نظراً إلى تخوفهما من حل المشكلة الفلسطينية على حسابهما.
وعلى الدوام، تُظهر عمّان والقاهرة عصبية كبيرة إزاء أي طلب من هذا النوع. وتُعتبر هذه الأفكار "نسخة" حديثة للمؤامرة الإسرائيلية لإفراغ القطاع من سكانه، وهي أفكار لم تكن تؤخذ في السابق بجدية، وأساساً بعد حرب حزيران/يونيو 1967. حتى الآن يتصرف العالم العربي بحذر نظراً إلى معرفته بطباع ترامب الشخصية، ورغبته في عدم التصادم معه، ويرفض الزعماء العرب رفضاً باتاً الفكرة، ويدركون أن مجرد التلميح إلى موافقتهم على فحصها سيثير ردات فعل حادة داخلية، وينطبق هذا بصورة أساسية على الأردن.
لذلك، فهم سيحاولون إغلاق الموضوع بسرعة بوسائل دبلوماسية، ومنْع نشوب خلاف صعب مع الإدارة الأميركية الجديدة. ويقف الفلسطينيون في مواجهة معضلة شديدة للغاية، ومن الواضح أنهم يرفضون الفكرة. "حماس" أرسلت في الأسابيع الأخيرة إشارات غير مسبوقة بشأن رغبتها في فتح حوار مع واشنطن انطلاقاً من إدراكها أن هذا الأمر سيساعدها في الاستمرار في الاحتفاظ بقوتها في القطاع، من دون أن تكون في وضع المسؤول الأساسي عنه.
يتعين على إسرائيل أن تتصرف بحذر هي أيضاً، وألاّ تتبنى الحماسة التي يُظْهِرُها زعماء الصهيونية الدينية إزاء تصريح ترامب بحجة أن هذه الخطوة تسمح للفلسطينيين بحياة أفضل، وعليها الابتعاد عن الأفكار المتطرفة، والكلام الذي هو صدى لنظرية ما قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، والتي تقول إنه في استطاعة الحوافز الاقتصادية أن تفرض نفسها على الأيديولوجيات.
يجب أن تفهم إسرائيل أن الفكرة يمكن أن تؤذي العلاقات بين واشنطن والعالم العربي، وستؤذينا لاحقاً، وخصوصاً بشأن كل ما له علاقة بالتطبيع الذي ستكرهه الدول العربية إذا شعرت بأن الولايات المتحدة تفرضه عليها، وهو ممزوج بجهود ترمي إلى نقل الفلسطينيين إليها. ونوصي إسرائيل بعدم الوقوف علناً إلى جانب الولايات المتحدة في إطار دعوتها إلى استيعاب جماعي للغزيين، {{وهو السيناريو الذي لن ينفَذ، وسيؤدي فقط إلى عداء عربي متزايد إزاء إسرائيل.}}
إن الجهد الأساسي الذي يجب على إسرائيل توظيفه هو إجبار "حماس" على تقديم تنازلات جوهرية في مقابل إعادة إعمار القطاع.