في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة، يواجه الأردن تحديات غير مسبوقة نتيجة قرار الإدارة الأمريكية الجديدة بتجميد المساعدات الخارجية، باستثناء مصر وإسرائيل. هذا القرار يعكس تحولًا في أولويات السياسة الأمريكية، مما يضع الأردن، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، في موقف دقيق، خاصة مع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية.

(1) زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني وملف تهجير الفلسطينيين

تأتي زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني المرتقبة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 11 فبراير/شباط 2025 في توقيت بالغ الحساسية. الزيارة تتزامن مع مباحثات مكثفة بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول مقترحات مثيرة للجدل تتعلق بإعادة توطين فلسطينيي غزة في الأردن ومصر. هذا المقترح قوبل برفض قاطع من عمّان والقاهرة، تأكيدًا على مواقفهما الثابتة تجاه القضية الفلسطينية.

لقد أعادت التصريحات الأخيرة للرئيس ترامب، إلى جانب تناغم مواقفه مع نتنياهو، الحديث مجددًا عن الموقف الأردني الراسخ في مجابهة "صفقة القرن"، حيث كان الأردن في طليعة الدول الرافضة لأي محاولات لفرض حلول قسرية تمس بسيادته الوطنية وتركيبته السكانية. هذا الموقف الحازم يعكس التزام الأردن بسيادته الوطنية ورفضه لأي حلول تتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني.

لطالما كان جلالة الملك عبد الله الثاني صوتًا قويًا في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية على الساحة الدولية. ومن المتوقع أن يستثمر خبرته الواسعة في السياسة الأمريكية للتأثير على صناع القرار في واشنطن. سيؤكد الملك خلال لقائه مع ترامب أن استقرار الأردن هو جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، وأن أي محاولات لفرض حلول قسرية ستواجه برفض أردني قاطع.

(2) تداعيات وقف المساعدات الأمريكية على الاقتصاد الأردني

تجميد المساعدات الأمريكية يمثل تحديًا اقتصاديًا كبيرًا للأردن. حيث تعتمد المملكة بشكل كبير على هذه المساعدات لدعم برامج التنمية الاقتصادية، وتمويل مشاريع البنية التحتية، وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني. المساعدات الأمريكية السنوية، التي بلغت وفق مذكرة التفاهم الموقعة في سبتمبر/أيلول 2022 نحو 1.45 مليار دولار سنويًا، كان من المتوقع أن تصل إلى 2.1 مليار دولار بحلول 2025.

هذا القرار يهدد بتأثير مباشر على قطاعات حيوية مثل التعليم، والصحة، والمياه، والطاقة، مما يستدعي من الحكومة الأردنية اتخاذ تدابير عاجلة للتخفيف من حدة هذه التداعيات ، وقف المساعدات الأمريكية يمكن أن يكون له تأثيرات كبيرة على المشاريع الاقتصادية في الأردن نظرًا لاعتماد العديد من القطاعات على هذه المساعدات في تمويل المشاريع التنموية والبنية التحتية. إليكم أبرز التأثيرات المحتملة:

1. تأثير مباشر على المشاريع الجارية:

- توقف التمويل: المشاريع الممولة جزئيًا أو كليًا من المساعدات الأمريكية، مثل مشاريع المياه والطاقة والبنية التحتية، قد تتوقف أو تتأخر.

- تحديات في استكمال المشاريع: ستضطر الحكومة للبحث عن مصادر تمويل بديلة، مما قد يؤخر التنفيذ ويزيد الكلفة.

2. تأثير على الاقتصاد الكلي:

- زيادة العجز في الموازنة: تعتمد الحكومة الأردنية على المساعدات لتغطية جزء من نفقاتها العامة. وقف هذه المساعدات قد يؤدي إلى زيادة العجز المالي.

- ارتفاع الدين العام: مع الحاجة لتمويل المشاريع والخدمات الأساسية، قد تلجأ الحكومة للاقتراض، مما يزيد من الدين العام وأعباء الفوائد.

3. تأثير على القطاع الخاص:

- تراجع الاستثمارات: يقلل من ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين، خاصة في القطاعات التي تعتمد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

- تأثر المقاولين والاستشاريين: الشركات التي تعمل في مشاريع ممولة من المساعدات قد تواجه صعوبات مالية وتقلص فرص العمل.

4. تأثير اجتماعي:

- تزايد معدلات البطالة: توقف المشاريع يعني فقدان وظائف كثيرة، خاصة في قطاعات البناء والخدمات.

- تأثر البرامج الاجتماعية: قد تتأثر برامج دعم الفئات الأكثر فقرًا، مما يزيد من الضغوط الاجتماعية.

5. تأثير على استقرار السياسات:

- ضغوط سياسية واقتصادية: قد تضطر الحكومة لاتخاذ إجراءات تقشفية صعبة أو إعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية.

- إعادة التوجه نحو شركاء جدد: قد تبحث الحكومة عن شركاء دوليين آخرين مثل الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج العربي أو الصين.

(3) الاستراتيجية الأردنية لمواجهة الأزمة

في ظل هذا القرار الترامبي، يتوجب على الحكومة الأردنية الإسراع بإجراءات استثنائية للحد من الآثار السلبية على هذا القرار والعمل باستراتيجية تأخذ في الحسبان أن تلك المساعدات لن تعود إلى سابق عهدها. أمام هذا التحدي، فإن هذه الأزمة تبرز أهمية تطوير الأردن لاستراتيجية اقتصادية ودبلوماسية أكثر استقلالية، تضمن حماية مصالحه الوطنية بعيدًا عن أي ضغوط خارجية. وعليه فإننا نورد اقتراحات لإجراءات عاجلة على الحكومة الأردنية السير بها وفقًا لما يلي:

1. تنويع مصادر الدعم الدولي: العمل على تعزيز الشراكات مع الاتحاد الأوروبي، ودول الخليج العربية ، والمنظمات الدولية لتقليل الاعتماد على المساعدات الأمريكية.

2. تعزيز الاقتصاد الوطني: تنفيذ إصلاحات اقتصادية شاملة تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتستقطب الاستثمارات الأجنبية، وتحفز الابتكار.

3. دبلوماسية نشطة: استخدام القنوات الدبلوماسية لتوضيح الموقف الأردني الرافض لأي حلول تمس بسيادته الوطنية، مع السعي لحشد دعم دولي أوسع.

4. الاعتماد على الذات: تشجيع الصناعات المحلية، والاستثمار في قطاعات حيوية مثل الطاقة المتجددة، والزراعة، والمياه لتحقيق استقلال اقتصادي أكبر.

5. إجراءات تقشفية: تبني "موازنة طوارئ تقشفية" تشمل تقليص النفقات غير الضرورية وتقليص عدد الوزارات ودمج الهيئات المستقلة لتقليل العجز وتجنب المزيد من الديون.

ختامًا:

يظل الأردن ثابتًا في مواقفه الوطنية والقومية، مدعومًا بقيادة حكيمة ودبلوماسية نشطة، قادرة على تجاوز التحديات وحماية المصالح الوطنية في وجه الضغوط الإقليمية والدولية. ستبقى السيادة الأردنية فوق كل اعتبار، مهما بلغت الضغوط وتعددت التحديات.

باحث ومخطط استراتيجي - الاردن
.