في حوار مع الجزيرة نت، تحدث والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة عن حجم الدمار الواسع الذي خلفته قوات الدعم السريع في المناطق التي استردها الجيش السوداني في ولاية الخرطوم.
وأوضح أن عمليات التخريب شملت القطاع الصحي وخلفت فيه أضرارا جسيمة، إضافة إلى أضرار بشبكات المياه والكهرباء وممتلكات المواطنين، وأكد عمل سلطات الولاية والحكومة السودانية على تأمين عودة النازحين إلى بيوتهم.
وذكر أن أي تقدم للجيش السوداني في الولاية تتبعه مهمة إزالة مخاطر الحرب من مخلفات عسكرية وقذائف، وأشار إلى أنهم أعدوا دراسات رُفعت إلى مجلس السيادة تتضمن احتياجات الولاية المحتملة لمرحلة إعادة الإعمار.
وفيما يلي نص الحوار:
ما تقييمكم للوضع الأمني والإنساني بولاية الخرطوم في الوقت الراهن؟
بالنسبة للوضع الأمني، فالقوات المسلحة تتقدم في كافة المحاور خصوصا في ولاية الخرطوم، وقريبا ستعلن الخرطوم خالية من التمرد.
كل تقدم للجيش السوداني يتبعه عمل كبير من جانب الولاية، أهمه إزالة مخاطر الحرب من مخلفات عسكرية وقذائف، ثم التعامل مع الجثث المنتشرة نتيجة القتال عبر الأجهزة المختصة سواء كانت وزارة الصحة أو المتطوعين أو المنظمات الوطنية والأجنبية مثل الهلال الأحمر. ويتم التعامل مع هذه الجثث حضاريا، ثم تقوم هذه الأجهزة بعمليات التعقيم والتطهير.
ويأتي بعد ذلك توفير الخدمات من مياه وكهرباء ومراكز علاجية حتى تتسنى عودة المواطنين، ولكن قبل ذلك تنصب الجهود على توفير المواد الغذائية.
وأما مسؤولية الأمن فتأتي في مقدمة قائمة الأولويات عقب "دحر المليشيات" لتأمين المواطنين العائدين وممتلكاتهم، وأهمها تلك الخاصة بالذين هم خارج مناطقهم حاليا سواء كانوا نازحين داخل البلاد أو لاجئين خارجها، ونولي هذه المسألة اهتماما عبر لجان الأمن وإشراك المواطنين في تأمين مناطقهم.
المناطق التي دخلها الجيش مستقرة أمنيا، غير أن هناك بعض الظواهر السالبة مثل دخول بعض معتادي السرقات للمناطق المستردة بنية نهب ممتلكات المواطنين ويتم التعامل معهم وملاحقتهم، وبخلاف ذلك لا توجد مهددات أخرى للأمن.
حوار مع والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة وصور المقابلة الصور خاصة
والي الخرطوم أعلن رفع دراسات إلى مجلس السيادة تتضمن احتياجاتهم المحتملة لمرحلة إعادة الإعمار (الجزيرة)
هناك عودة ملحوظة للمواطنين للمناطق التي استردها الجيش، ماذا سيحصل إذا زادت هذه العودة؟ وما خطط الولاية لمجابهة شح خدمات المياه والكهرباء والصحة؟
لو بدأنا بالمياه فلها مكونات، أهمها المصادر وهي إما محطات مياه نيلية أو آبار، وللأسف المليشيات تعدت على معظم المصادر النيلية، والآن محطات المياه الكبيرة كلها تم تخريبها ما عدا اثنتين أو 3 ولا تفي بالمطلوب.
ولذلك كان لزاما الاعتماد على النوع الثاني وهو الآبار، وهي كانت موجودة في بعض المناطق وأصابها الإهمال. والآن بدأت الدولة في إعادة تأهيلها وهي تفي بسد الفجوة، أما شبكات المياه فأصابها الكثير من التعدي والإتلاف.
وتقوم ولاية الخرطوم في كل المناطق المستردة بمعالجة مصادر المياه والشبكات، أما محطة مدينة الخرطوم بحري وهي أكبر محطات المياه في الولاية، فحين ذهب المختصون للعمل على تأهيلها تعرضوا للقصف من داخل المدينة، ولم يتمكنوا من إكمال المهمة وكان ذلك قبل أسبوع تقريبا.
وأعددنا دراسات ورُفعت إلى مجلس السيادة بطلب من رئيسه عبد الفتاح البرهان، تتضمن احتياجات الولاية المحتملة لمرحلة إعادة الإعمار، خاصة في قطاعي المياه والكهرباء.
وبالنسبة للكهرباء، فوضعها يختلف، لأنها تأتي من خارج الولاية وبالتحديد من سد مروي، لأن المحطات الحرارية الموجودة بالولاية خارج الخدمة حاليا بسبب التعدي عليها من قبل قوات الدعم السريع.
هناك مؤسسات صحية كثيرة مدمرة، فكيف ستواجه الدولة والولاية ذلك خصوصا مع قرب عودة المواطنين؟
ما تم من تخريب وتعدٍ على المستشفيات كبير جدا، وإعادة التأهيل تفوق إمكانات الولاية التي فقدت 90% من مواردها، لذلك أشركنا منذ البداية الحكومة الاتحادية في إعادة الإعمار، وأول مسؤول يزورنا كان وزير الصحة الاتحادي الذي وقف على الأوضاع بالمستشفيات.
والآن المستشفى الذي يعمل هو مستشفى النو بأم درمان، ويشتغل فوق طاقته، لذلك اجتهدنا بتوفير بعض البدائل كالمستشفيات والمراكز الصحية الطرفية لتعويض النقص في الخدمات الصحية بعد خروج المستشفيات الكبرى عن الخدمة وعلى رأسها مستشفى أم درمان.
وبعد خروج المليشيات زرنا بعض المستشفيات بالمناطق المستردة التي كانت تخدم السودان كله بل بعض الدول المجاورة، ووجدناها مدمرة. ولذلك ناشدنا وزارة الصحة الاتحادية ومجلس السيادة بالتدخل. وقد زار البرهان مستشفى النو وأعقب زيارته بتقديم إعانات عاجلة لها، واتفقنا على أن تبدأ عمليات تأهيل عاجلة لبعض المستشفيات منها مستشفيات أم درمان والولادة.
وتعمل المؤسسات العلاجية، التي تم تأهيلها حتى الآن، تحت تهديد القصف من جانب الدعم السريع. وعانت كوادرنا الصحية من الاستهداف المباشر، ولكن لم يتوقفوا عن تقديم الخدمة للمواطنين وسقط منهم شهداء ومصابون.
وأنت عائد من الخرطوم بحري بعد إعلان تحريرها التقيت عددا من المواطنين، ماذا عاينت خلال هذه الزيارة؟
وجدتُ صورة مؤثرة في الحقيقة لمواطنين كانوا محاصرين قرابة عامين تماما، ومنعتهم المليشيات من الخروج للتسوق وقطعت عنهم إمدادات المياه والكهرباء ودمرت المؤسسات الصحية التي تقدم لهم العلاج. عانى هؤلاء المواطنون أشد المعاناة، وكثير منهم قالوا إنهم غلبوا احتمال الموت على العيش لما شاهدوه من تضييق وانتهاكات، وعقب تطهير مناطقهم كانت فرحتهم كبيرة.
وجدنا عددا كبيرا منهم مرضى ومصابين، وبعضهم أصيبوا بالهزال ولا يقوون على الحركة وتحملوا هذا الابتلاء. لذلك وضعنا أنفسنا على استعداد لإعادة الحياة إلى الخرطوم بحري بأسرع فرصة.
ماذا عن تعويضات المواطنين الذين فقدوا ممتلكاتهم وتجارتهم وتضررت منازلهم، هل هناك خطط لذلك؟
لا بد للدولة -ونحن جزء منها- من وضع سياسة ورؤية عن هذه الأضرار، وعلى رأسها الأضرار النفسية والجسدية والمادية. واليوم استقبلنا وكيل وزارة العدل، ودشنا مقرا للوزارة بأم درمان، وأول إدارة ستعمل هي إدارة العون القانوني التي ستقوم بتوعية المواطنين عن كيفية التبليغ عن الأضرار التي وقعت لهم.
ورغم أن الرؤية حول مسألة التعويضات لم تتضح حتى الآن، فإن التفكير موجود والرغبة كذلك، وقد دعا رئيس مجلس السيادة أكثر من مرة إلى وضع خطط لهذا الأمر.
وفيما يتعلق بإعادة المنهوبات من ممتلكات ومقتنيات، فالشرطة والأجهزة العدلية لديها الخطط لذلك، أما التعويضات فلا بد من التعرف على حجم هذه المفقودات وكم تكلف، وستسعى الدولة لجبر الضرر حسب إمكاناتها.
ماذا عن الأحياء التي يقول المواطنون إنها مصدر لمرتكبي السرقات والجريمة؟ وكيف ستواجه الدولة الوجود الأجنبي غير القانوني؟
السكن العشوائي أو غير المقنن من المسائل المقلقة للولاية منذ ما قبل اندلاع القتال، والحكومات المتعاقبة كانت سببا في قيام هذه المناطق، لأنها كانت تجيز لهم ذلك، وكان لنا خطة لوقف انتشار هذه المساكن ومعالجة القائم منها حاليا. ولكن جاءت الحرب وأوقفت جهودنا بهذا الخصوص، واتضح لنا أن كثيرا من هذه المناطق دعمت المليشيات، وقد وجدنا فيها عددا كبيرا من ممتلكات المواطنين المنهوبة.
وبالنسبة للوجود الأجنبي، فالكثير من الأجانب كانوا موجودين من فترات سابقة، وبعضهم دخلوا السودان بطرق غير قانونية، وبعضهم انخرط في العمل. أما اللاجئون فمحكومون بقانون اللجوء والقوانين الأممية المنظمة لهم.
هناك الكثير من أبناء دولة جنوب السودان عادوا إلى السودان بعد أن تعذر لهم العيش في دولتهم بعد الانفصال، وهم يتجاهلون أنهم الآن أصبحوا أجانب، ومعظمهم وجودهم غير قانوني لأنهم لم يقطنوا في معسكرات اللجوء، وانتشروا في مناطق الخرطوم المختلفة، ويعيشون بين المواطنين السودانيين.
وقبل أيام زارتنا ممثلة المفوض السامي للاجئين بالسودان وأكدنا لها ضرورة إجلاء اللاجئين إلى معسكرات معدة لذلك، لكن هناك مماطلة من جهات كثيرة بينها المفوضية واللاجئون أنفسهم، علما أن أعدادا كبيرة منهم متورطة في هذه الحرب.
هذا الملف حساس وله ارتباطات بسياسة الحكومة تجاه الدول، ونحن نطلب أن تتعامل الدولة السودانية مع هؤلاء اللاجئين بنفس ما تتعامل به كل الدول مع الأجانب في أراضيها، وهو التقيد بالضوابط الصارمة وتقييد حركة الأجانب وتقنين أوضاع اللاجئين حسب قانون اللجوء، وعدم السماح لهم بالانتشار في الأحياء السكنية ومخالطة المواطنين.
لا يعقل أن أستضيف شخصا في الدولة ويتشارك مع المواطنين في الخدمات التي تقدمها له، ورغم ذلك يشارك في أعمال عدائية ضد الدولة ويقف مع التمرد في قتاله ضد الجيش والمواطنين.
المصدر : الجزيرة