كتب كمال ميرزا - 

في عالم المسرح هناك شيء اسمه "الإفّيه"، أي النكتة أو القفشة أو التعليق الذي يطلقه الممثّل في لحظة ما، ويعلق بذهن الجمهور، وقد يصبح ماركة مسجّلة باسم صاحبه.

الإفّيهات تكون غالباً عفويّةً ووليدة لحظتها وتعتمد على خفّة ظلّ الممثل وسرعة بديهته.. ولكنّها أحياناً تكون مكتوبةً مسبقاً في النصّ الأصليّ للعمل.

بالنسبة للإفّيهات المُسبقة هناك شيئ اسمه "الفَرْش للإفّيه"، بمعنى أن يقوم أحد الممثلين بالتمهيد وتهيئة الأرضيّة حتى يتسنّى لصاحب الإفّيه إلقاؤه في اللحظة المناسبة، وبطريقة تزيد من وقعه وتأثيره لدى الجمهور.

من أشهر الأمثلة على ذلك، التمهيد الذي يقوم به الفنان فؤاد المهندس (الدكتور رأفت) والفنانة سناء يونس (فوزيّة) في مسرحيّة "سك على بناتك".. ليقوم بعدها الفنان محمد أبو الحسن (حنفي) بإلقاء إفيهه المشهور: "مين عمر الشريف"؟!

قرار مجرم الحرب "نتنياهو" بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، وتعليق إدخال الغذاء والمساعدات الإنسانيّة إلى غزّة، وتلويحه هو وعصابته باستئناف حرب الإبادة والتهجير ضدّ غزّة وفتح أبواب الجحيم عليها.. كلّ هذا يأتي في معرض الفرش والتمهيد للإفّيه السمج الذي يُتوقع أن تخرج به القمة العربيّة الطارئة يوم الثلاثاء: خطة تبتزّ أهالي غزّة بسيف ورقة إعادة الإعمار مقابل التخلّي عن المقاومة، وتفكيك فصائلها، وتسليم سلاحها، وإخراج مقاتليها!

الأنظمة العربيّة المعنيّة سبق لها أيضاً التمهيد لإفّيه الابتزاز في القمّة العربيّة من خلال إطلاق العنان لكلابها من الأقلام المأجورة والإعلاميّين المأجورين لكي يقولوا على الملأ ما لا تستطيع هذه الأنظمة قوله جهاراً، وليوجّهوا سهامهم ويبثّوا سمومهم تعزيزاً وتكريساً وتسويغاً وتسويقاً لثيمة الإعمار مقابل تصفية المقاومة.

هذا التناغم الكبير في الأداء والتوقيت بين عصابة حرب الكيان، وأبواق العرب المأجورة، ودبلوماسيّة العرب المشبوهة، تجعلك تشعر أنّك إزاء سيناريو واحد، بمُنتِج واحد، ومخرِج واحد، سيما وأنّ الأنظمة العربيّة رغم لاءاتها وجعجعة تصريحاتها، لم تُقدِم لغاية الآن على أي إجراء عمليّ واحد حقيقيّ وملموس يصبّ في صالح غزّة، ويقف فعليّاً في وجه مخططات الإبادة والتهجير، كالاعتراف بفصائل المقاومة الفلسطينيّة حركّات تحرّر وطنيّ مشروعة، أو قطع العلاقات مع الكيان الصهيونيّ، أو إدخال المساعدات والمواد الإغاثيّة إلى قطاع غزّة عنوة وتحت طائلة اللجوء للقوة إذا اقتضت الضرورة.

وما يسري على غزّة اليوم سيسري على الضفّة غداً ولكن بسماجة أكبر!

لطالما اعتدنا على سماجة إفيهات الأنظمة العربيّة وقممها، ولكن إفّيهات هذه الأنظمة منذ إنطلاق معركة "طوفان الأقصى" ليست سمجة فقط، بل ومجبولة أيضاً بالدم والدمار والمعاناة، والتواطؤ والتخاذل، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وتسليم المنطقة "تسليم مفتاح" للشركات والبنوك والصناديق السياديّة ورؤوس الأموال ومراكز القوى الأمريكيّة والغربيّة ووكلائهم وسماسرتهم وقطاريزهم المحلّيين!

أن تباد شعوب وتدمّر دوّل وتُنهب مقدّرات وموارد حتى تنال الأقلّية "تلحيسة أصابع" على حساب الأكثريّة.. ياله من إفّيه سمج، ويا لها من مسرحية قميئة!
.