كتب محرر الشؤون المحلية -
إن التحذيرات الصارمة التي أطلقها دولة الرئيس جعفر حسان لم تكن مجرد تصريحات إعلامية عابرة، بل كانت إعلانًا قاطعًا في مواجهة الترهل والفساد الإداري، وإشارة واضحة إلى أن زمن المحسوبية والانتماءات الضيقة قد ولّى.
ولكن السؤال الجوهري الذي يُطرح اليوم: هل ستكون هذه التحذيرات مجرد كلمات، أم ستُترجم إلى أفعال حقيقية تُطبّق على الجميع دون استثناء؟ هل ستتم محاسبة الوزراء الذين خالفوا نظام الموارد البشرية، وتصويب قراراتهم التي حادت عن معايير العدالة والكفاءة واتخذت منحى يخدم مصالحهم الخاصة بدلًا من خدمة الوطن والمواطن؟ أم أن بعض الأبواب ستظل مشرعة أمام ممارسات تتنافى مع توجهات الإصلاح التي تعهّد بها دولة الرئيس؟ إن نظام الموارد البشرية الجديد لا يحتمل التلاعب، ومن خالفه يجب أن يخضع للمساءلة دون تردد أو انتقائية.
أما فيما يتعلق بتعيينات المناصب العليا، فالسؤال الأهم: هل خضعت الملفات التي رُفعت لملء هذه الشواغر لمعايير النزاهة والشفافية عبر اللجنة التي شكّلها الوزير المختص وفقًا للمادة (10 و) من نظام القيادات الحكومية، التي حددت معايير التقييم والأوزان بشكل واضح ومحدد، أم أن الترشيحات خضعت لمزاجية الوزير المختص؟ وهل كان معيار الاختيار هو الكفاءة والاستحقاق، أم أن الحسابات الشخصية والولاءات الحزبية كانت هي الفيصل في إقصاء الكفاءات الوطنية وتقديم من لا يستحق؟
إن الوزير الذي يخالف الأنظمة والتعليمات، ويقوم بترشيح الملفات التي يراها مناسبة وفقًا لأهوائه الشخصية، دون أي معايير واضحة، ليس أمينًا على الوطن ولا على مؤسساته وأبنائه. فمثل هذه الممارسات لا تهدد فقط مصداقية الحكومة، بل تضع مستقبل الدولة في أيدي غير الأكفاء، ما يعني المزيد من الفشل والتراجع في أداء المؤسسات، واستمرار دوامة الترهل التي يسعى الرئيس إلى القضاء عليها.
إن استبعاد أصحاب الكفاءة لصالح أصحاب الولاءات والمصالح الضيقة لا يمكن أن يكون نهجًا للتحديث والإصلاح. وإذا كانت المادة (7 أ) من نظام القيادات الحكومية قد نصّت على تشكيل لجنة برئاسة وزير العدل وبعض الوزراء، منهم الوزير المختص، فهل ستخضع قراراتها في النهاية لرأي الأخير؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الجدوى من عمل هذه اللجنة وقراراتها إذا كان القرار الحاسم يعود لشخص واحد؟ أليس هذا تقويضًا لدور تلك اللجنة وتحجيمًا لقيمتها الفعلية في ضمان الشفافية والعدالة؟
فكيف يمكن تحقيق رؤية التحديث الاقتصادي، وبناء جهاز حكومي قوي وفعال، إذا كانت المناصب تُمنح بالمحسوبية لا بالكفاءة؟
اليوم، الرهان على دولة الرئيس ليس في إصدار التحذيرات فقط، بل في تنفيذها بصرامة تطال الجميع دون استثناء. فلا قيمة لأي إصلاح إذا بقيت بعض الأيدي تعبث بمؤسسات الدولة وفق أهوائها، ولا معنى لأي تحديث إداري أو اقتصادي إذا استمرت عقلية "المحسوبية أولًا".
فهل نشهد عهدًا جديدًا من المحاسبة الجادة، حيث لا أحد فوق القانون؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة.
.