من إيمان الخريجي
(مقابلة) جنيف - 24 - 1 (كونا) -- قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالحق في التعليم فريدة شهيد اليوم الجمعة إن ممارسة الاحتلال الإسرائيلي "الإبادة التعليمية" في قطاع غزة كجزء من حرب الإبادة الجماعية هدفها تدمير أي أمل للأطفال في مستقبل أفضل ومحو هوية الشعب الفلسطيني.
جاء ذلك في مقابلة خاصة أجرتها وكالة الأنباء الكويتية (كونا) مع المسؤولة الأممية بمناسبة إحياء (اليوم الدولي للتعليم) الذي يوافق ال24 من شهر يناير بهدف تعزيز الوعي بأهمية التعليم كحق أساسي وأداة لتحقيق التنمية والسلام والتأكيد على توفير الفرص العادلة للجميع خاصة في مناطق الصراعات.
وأعربت شهيد عن القلق إزاء عدم استعداد المجتمع الدولي واهتمامه بإعادة بناء النظام التعليمي في غزة بعد اتفاق ايقاف إطلاق النار خاصة مع وجود جيل كامل يعاني من الصدمة واستشهاد المئات من المعلمين وآلاف التلاميذ والطلبة إضافة إلى تدمير البنية التحتية.
وقالت إن "النظام التعليمي في قطاع غزة دمر بالكامل وهو ما أسميه (إبادة التعليم) وهو أكثر من مجرد استهداف بل هو تدمير كامل للنظام التعليمي.. الهدف في غزة هو قتل آمال ومستقبل كل طفل فلسطيني تأثر بهذا الوضع".
وأضافت أن عدم مصادقة الاحتلال على اتفاق "المدارس الآمنة" الذي وقعته أكثر من 120 دولة "يعد سياسة اتبعها الاحتلال كي لا يلتزم بعدم ارتكاب أي فظائع" موضحة أن الاتفاق يلزم الدول بعدم استهداف المدارس والجامعات والنظام التعليمي بأكمله ويفرض على مخالفيه إعادة البناء بعد الحرب وضمان تعافي النظام التعليمي وتوفير الدعم النفسي للمعلمين والطلاب وتوفير الوسائل اللازمة للمضي قدما.
وأكدت أن "إبادة التعليم" لا تقتصر على غزة فحسب بل تمتد إلى الضفة الغربية مشيرة إلى أن ممارسات الاحتلال بعدم السماح للأطفال بالدراسة ووضع نقاط تفتيش في كل مكان وعدم السماح للمعلمين بالتدريس وحرمانهم من التراخيص اللازمة لممارسة مهامهم وتعطيلهم هو جزء من سياسة "إبادة التعليم".
ولفتت المسؤولة الأممية إلى إجرائها محادثات مع أشخاص من القدس والضفة الغربية كشفوا خلالها عن "الصدمة" التي يعاني منها الطلاب إضافة إلى عدم السماح لهم بفتح المدارس وكذلك المشاكل التي يواجهونها للحصول على التراخيص واستهداف الجامعات بالغاز المسيل للدموع ما يجعل الحرم الجامعي "سجنا صغيرا داخل مساحة أوسع".
ووصفت الحرب على غزة بأنها "حرب على شعب بأكمله وعلى الأطفال خاصة حيث يتعرضون لدمار كامل إلى درجة موت الرضع منهم من البرد" ما يؤكد تصنيف تلك الحرب بأنها "إبادة جماعية".
وتابعت المسؤولة الأممية بالقول "سمعت قصصا عن أطفال حملوا حقائبهم المدرسية لإنقاذ كتبهم ولكنهم اضطروا لاحقا لاستخدامها كوقود للتدفئة في الشتاء" لافتة إلى أن تلك الأحداث لم تقع بين عشية وضحاها بل سبقتها انتهاكات من الاحتلال منذ سنوات.
وأوضحت أن "التدمير لم يستثن الجامعات ولا حتى الأرشيفات التي تحتوي على أكثر من 100 عام من التاريخ الفلسطيني" مؤكدة أن تدمير التراث الثقافي الفلسطيني هو "استهداف استراتيجي متعمد اذ لا يمكن ان يكون عشوائيا".
وفي حديثها عن أثر الحرب قالت شهيد إن الأطفال والمعلمين يعانون من "صدمة نفسية عميقة" لكنهم رغم ذلك يحاولون التغلب عليها إذ نظم العديد من المعلمين أنشطة للأطفال في المساحات المفتوحة حتى أثناء الحرب لإعطاء الامل وتخفيف المعاناة عن الأطفال.
وعن الحلول الممكنة لإعادة بناء التعليم في غزة أكدت شهيد ضرورة أن تركز الأمم المتحدة وكل من يعمل على الأرض على إعادة الأمل للأطفال وعلى المجتمع الدولي الالتزام بتمويل إعادة الاعمار خاصة الدول التي لم تتخذ أي إجراء ضد الحرب.
وذكرت أن إيقاف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) زاد من "تأزيم" الوضع إضافة إلى عدم الاستجابة لنداءات التمويل التي أطلقتها الأمم المتحدة لأنه بغياب الموارد لا يمكن فعل أي شيء ولا يمكن الحديث عن إعادة الإعمار".
وسلطت المسؤولة الأممية الضوء على الدور المهم الذي يمكن للفلسطينيين في الخارج أداءه مؤكدة أنهم الأكثر قدرة على معرفة احتياجاتهم "إذ من غير المجدي أن يملي الآخرون عليهم ما يحتاجون إليه وسبل تحقيقه".
وعلى صعيد متصل شددت شهيد على ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ممن أصيبوا بإعاقات جراء الحرب أو صدمات نفسية موضحة أنه " لا يمكن الاكتفاء بوضعهم في مراكز تأهيل بل يجب توفير طرق علاج متخصصة وأطباء نفسيين لمعالجتهم".
كما أكدت ضرورة التركيز على ظاهرة "الأطفال المعيلين لعائلاتهم" والحرص على توفير التعليم لهم وموارد الرزق لمساعدتهم على مواصلة حياتهم.
وضمن هذا السياق طالبت بعدم الاكتفاء بمحاسبة الاحتلال على جرائمه وتحميله تكلفة إعادة إعمار غزة فحسب بل أيضا الدول المتواطئة معه وشركات الأسلحة.
وفي حديثها عن مسؤولية الأمم المتحدة قالت إن المنظمة لا تتحمل المسؤولية كمنظمة "بل إن المسؤولية تقع أساسا على الدول الأعضاء فيها خاصة الدول التي ساهمت في إطالة هذه الحرب باستعمال حق النقض (فيتو)".
ولفتت إلى وجود "عوائق كبيرة في اتخاذ القرارات بسبب هيكلية الأمم المتحدة نفسها لكنها في المقابل تبقى المنظمة الوحيدة التي تجمع الكل معا في ظل حالة الاستقطاب والانقسامات العالمية المتزايدة حاليا".
وحثت شهيد الدول العربية بشكل خاص على أن تتحرك وتستخدم نفوذها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي للضغط من أجل إيجاد حل مبينة أن الأزمة "لن تنتهي دون التزام جاد وموارد كافية".
وشددت في هذا الصدد على ضرورة ممارسة الدول العربية الضغط على المجتمع الدولي للتحرك بسرعة وشكل حاسم سواء من ناحية تقديم الدعم المالي أو الدعوة إلى حماية التعليم إذ إنها "مسؤولية مشتركة لدول العالم أجمع".
وعلى الصعيد العالمي قالت شهيد إن أعداد الأطفال المتأثرين بالصراعات تصل إلى 473 مليون طفل وهذا الرقم هو "الأعلى في التاريخ وهو أمر خطير جدا" موضحة أن نسبة الأطفال الذين يعيشون في مناطق الحرب ارتفعت من 10 في المئة فقط خلال التسعينيات لتصل إلى أكثر من 20 في المئة حاليا.
وفي هذا الإطار جددت المسؤولة الأممية تأكيدها ضرورة التزام الدول باحترام اتفاق "المدارس الآمنة" الذي من شأنه أن يخفف الآثار "المرعبة" للصراعات حول العالم على التعليم مبينة أن دعم التعليم في أوقات الصراعات ليس ترفا بل ضرورة لتحقيق مستقبل مستدام.
ويوافق ال24 من يناير من كل عام الذكرى السنوية لليوم الدولي للتعليم الذي حددت موعد إحيائه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2018 بهدف تعزيز الوعي بأهمية التعليم كحق أساسي وأداة لتحقيق التنمية والسلام لتسليط الضوء على دور التعليم والتأكيد على الحاجة إلى توفير فرص تعليمية شاملة وعادلة للجميع خاصة في ظل التحديات التي تواجه التعليم في مناطق الصراعات والأزمات.
ويحمل شعار اليوم الدولي للتعليم لهذا العام "الذكاء الاصطناعي والتعليم: الحفاظ على التدخلات البشرية في عالم يسوده التشغيل الالي" بغية التفكير في قدرة التعليم على تمكين المجتمعات من التعامل مع التقدم التكنولوجي.(النهاية) ا م خ / أ م س