لم يكن مفاجئاً اتصال التهنئة الذي أجراه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالرئيس الإسرائيلي بنيامين نتياهو للتعبير عن فرحته بمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار في غزة. بايدن ومعه قادة الغرب هللوا للعملية، ورد فعل الرئيس الأميركي تدلل على الشراكة في العمليات العسكرية، ولاسيما منها الاغتيالات التي طاولت قيادات في حماس وحزب الله، فضلاً عن دعم الأميركيين للهجمات والعمليات العسكرية التي تجاوزت كل ما عرفته الحروب بين إسرائيل والفلسطينيين وحلفائهم.
لقد تخطت حرب إٍسرائيل الحالية وقائع حربها على لبنان عام 2006. مستوى الدمار وبقعته الجغرافية أكبر بكثير، الاغتيالات في صفوف حزب الله بلغت رقماً قياسياً. سابقة في التاريخ الحديث للأحزاب، أن يصار إلى اغتيال جيل المؤسسين القدامى للحزب والحرب لا تزال في بدايتها. ارتفاع معدل الدمار الذي لم يقتصر على بلدات وقرى محددة.المنفذ إسرائيلي والتقنيات أميركيةتعمدت اسرائيل نسف أحياء بكاملها، تدمير كل ما له علاقة بالتاريخ والذاكرة الجماعية. تهجير السكان وملاحقتهم إلى مناطق نزوحهم الثاني والثالث أحياناً. كل ذلك يحصل بلا إدانات دولية. حتى عبارات الشجب من الأقربين لم تجد طريقها إلى هذا البلد. كان الأصعب هو اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. نوعية السلاح الذي استخدم، والمخصص لخرق التحصينات على أعماق كبيرة، ولا تمتلكها إلا القوات الأميركية، والدولة الوحيدة التي زودت بها كانت إسرائيل، وقبل فترة وجيزة من اغتيال نصرالله. وهذا يؤكد على دراية وموافقة الإدارة الأميركية المسبقة. أي أن المنفذ إسرائيلي والتقنيات أميركية.
الحدث تم توصيفه من وجهة نظر أميركية على أنه إنجاز لإسرائيل. هذا ما تفصح عنه مواقف الديبلوماسية الأميركية في الأروقة المغلقة. السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون عبرت، عقب الاغتيال، عن تطلع بلادها إلى بداية سياسية جديدة في لبنان وطبقة سياسية خالية من أي تأثير لحزب الله.عجز وإخفاقوخلافاً لما شهدناه في العام 2006، فالاتصالات الدولية هي أيضاً لا تزال خجولة، ولم تبلغ درجة من الجدية المعهودة. ثمة انطباع بأن المجتمع الدولي غض الطرف عما يحصل في لبنان، لكأن الإبادة الجماعية مطلب دولي أميركي على وجه التحديد.
أظهرت هذه الحرب عجز الدول وإخفاقها في الدفاع عن القرارات الدولية وحقوق الإنسان. يكفي للدلالة الاعتداءات الإسرائيلية على مواقع اليونيفيل وطردهم منها على مرأى الدول الأعضاء في مجلس الأمن ومسمعها.
يسود في أروقة مجلس الأمن صمت مريب تجاه ما يشهده لبنان، وما تتعرض له اليونيفيل. العجز الدولي سمة المرحلة. ومن السيناريوهات المحتملة أن تنتهي إسرائيل من لبنان وتصوّب نيرانها نحو سوريا ثم العراق.
خلال زيارتها إلى دولة عربية، سمعت شخصية سياسية كلاماً قاسياً عن خطورة الوضع، كان أقرب إلى تحذير من مرحلة مقبلة قاسية تتوجب على لبنان المرونة في التعاطي.
الانطباع السائد في دوائر القرار في لبنان، أن الولايات المتحدة تدير الحرب بواسطة إسرائيل، وأنها لو أرادت لضغطت على رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو لوقف النار فوراً. لكنها تريد أن تستكمل هذه الحرب إلى أن يحين موعد الرد الإسرائيلي على إيران المتوقع مطلع الشهر المقبل. المطلوب لهذه الضربة أن تستثمر في صندوق الانتخابات الأميركية لصالح دونالد ترامب. ولهذا تصطدم المحاولات الفرنسية المتكررة بالمنع الأميركي لوقف الحرب. ولا تلقى مساعي قطر ومصر جواباً.لا لوقف الناروتبدي مصادر ديبلوماسية اعتقادها أن ظروف وقف إطلاق النار لم تتحقق بعد، متوقعة أن يبدأ وضع الأمور على السكة نهاية العام الحالي. وبقدر ما يربط البعض الحرب بنتائج الانتخابات الأميركية، فإن البعض الآخر يرجح كفة الميدان كعامل يتوقف عليه حسم المسار السياسي. في أروقة مجلس الأمن تسعى إسرائيل إلى نسف القرار 1701 والالتفاف عليه واستبداله بآخر يؤمن بسط سلطتها في الجنوب وخلق واقع عسكري جديد هناك.
وبناءً عليه، تستبعد المصادر عينها، وقفاً لإطلاق النار في المدى المنظور. باعتقادها أن القصة لا تتوقف على قرار، فوجود قرار لن يجبر إسرائيل على الالتزام به، بدليل ما حصل يوم أقر مجلس الأمن القرار 2735 والمتعلق بوقف النار في غزة، ولم يوضع موضع التنفيذ ولم تلتزم به اسرائيل. المطلوب تسوية لم تنضج ظروفها بعد. ولهذا السبب، أمام لبنان أيام صعبة للغاية هي تلك الفاصلة عن الانتخابات الأميركية.طي عهد سايكس- بيكوالبقعة الإيجابية الوحيدة تكمن بما ينقل عن الميدان في جنوب لبنان، ينجح حزب الله في صد عمليات التوغل الإسرائيلي باتجاه القرى والبلدات المتاخمة للحدود. استطاع حزب الله أن يفصل مساره العسكري عن المسار السياسي. تمكن بعد اغتيال قادته من لملمة وضعه الداخلي واستعادة المبادرة تدريجياً على المستوى السياسي. وضعه العسكري لم يتأثر بالمسار السياسي.
ليس معروفاً الوقت الذي منحته أميركا إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية كي ينهي عمليته. محاولات فرنسا لم تنته بعد، نتائج الميدان من المبكر "تقريشها" في السياسة.
وإذا كان ترامب اغتال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، فإن عهد بايدن شهد اغتيال كل قيادات حماس الأساسية، فضلاً عن السيد نصرالله وقيادات من الصف الأول في حزب الله وبتقنيات عالية وكلها حازت على التهنئة الأميركية. بعد هذا لا حاجة للسوال عمّا تريده واشنطن. أنها بحسب خبير في الجغرافيا السياسية تعيد رسم خرائط الشرق وتطوي عهد سايكس وبيكو.