مع توسع الضربات الإسرائيلية على لبنان، خارج معاقل حزب الله المعروفة، والتي استهدفت بعضها مباني تأوي نازحين، تصاعد خوف المجتمعات المضيفة من إمكانية وجود عناصر أو قيادات لحزب الله بين الذين نزحوا إلى مناطقهم. فالضربات الإسرائيلية لمناطق مثل كسروان والكورة وزغرتا والشوف وبيروت، المترافقة مع مزاعم استهداف قياديين في حزب الله، عززت فوبيا الجماعات اللبنانية من بعضها البعض، والموجودة والمتأصلة في المجتمع اللبناني منذ زمن بعيد.إجراءات لطمأنة الأهاليارهاصات هذه المخاوف، المبررة وغير المبررة، لدى المجتمعات المحلية، حيث استقر النازحون، ظهرت من خلال البيانات التي صدرت عن بلديات عدّة، والداعية إلى اتخاذ خطوات وقائية. بيانات بمثابة تعاميم موجهة إلى النازحين، أقل حدة مقارنة بتلك التي كانت تُصدر بحق اللاجئين في أوقات سابقة، لكن مؤداها واحد: الخوف من الغريب. بيانات بلغة رسمية ومهذبة، لكنها تعكس نوعاً من الحذر والقلق المتزايد بين الأهالي.توعز البلديات هذه الخطوات المتخذة إلى ضغط متزايد من السكان، الذين يشعرون بالخطر المحتمل الذي قد يشكله النازحون على استقرارهم وأمنهم. وتحركت البلديات سريعاً لطمأنة الأهالي واستعادة بعض السيطرة على المشهد، في خطوة تستهدف التوازن بين حماية حقوق النازحين وضمان استقرار المجتمعات المضيفة.متابعة الزوّار بدقةأوضحت رئيسة بلدية بكفيا، نيكول جميّل، لـ"المدن" أن البلدية تتعاون بشكل وثيق مع الجيش اللبناني في تسجيل أسماء جميع الوافدين، حيث يتم التحقق من بياناتهم للتأكد من عدم وجود أسماء مشبوهة ضمنهم.وأضافت جميّل أنه "حتى اللحظة، لم يحدث ما يستدعي الهلع أو القلق"، مشيرة إلى أن الأوضاع في بكفيا مستقرة. وتوضيحاً لأسباب لبلبلة التي حصلت مؤخراً في البلدية، لفتت إلى أن جهة غير رسمية تسببت في إثارة هذه البلبلة عبر نشر معلومات مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي. ما أثار الخوف بين أهالي المنطقة. مؤكدة أن "هذه المخاوف لا تستند إلى أي أساس واقعي في البلدة، وهدف التعميم كان للانتباه إلى عدم الانجراف وراء الشائعات غير المؤكدة التي يمكن أن تؤدي إلى تصعيد غير ضروري للتوتر في المنطقة". وعبّر رئيس بلدية البلدة، حسين شوباصي، عن قلق الأهالي المتزايد، ما يدفع العديد منهم إلى التواصل معه باستمرار للإبلاغ عن قدوم زوار غريبين، ومشاهدة سيارات بزجاج داكن تجول في البلدة. وقال شوباصي: "لتجنب أي سوء تفاهم أو مشاكل بين السكان المحليين والنازحين، قررنا التدخل واتخاذ إجراءات احترازية، بما في ذلك إصدار تعميم يمنع استقبال زوار جدد في البلدة".وأكد أن البلدية تتابع بدقة أوضاع الزوار الوافدين، حيث تقوم بالتحقق والتأكد من أنهم لا يشكلون أي تهديد. وعلى ضوء هذه المخاوف، أصدر رئيس البلدية تعميماً نصه: "ندعو ضيوفنا الكرام، أهلنا وأصحاب البيوت، إلى تجنب استقبال زوار قد يثيرون الريبة، سواء بناءً على مظهرهم أو انتمائهم. كما نؤكد على ضرورة عدم وجود أي نوع من السلاح داخل البلدة إلا تلك التي تحملها القوى الأمنية اللبنانية في زيها الرسمي. نشكر الجميع على تعاونهم من أجل سلامة وأمان البلدة وكل من فيها".تفتيش النازحينمن ناحيته، أوضح رئيس بلدية البلدة، هشام لبكي، أن البلدية تتابع بدقة أوضاع النازحين، حيث تم تسجيل كل من استقر في المنطقة، سواء في المدرسة الرسمية أو من استأجر شققاً، والتي تبلغ حوالي 50 شقة. وأكد على أن جميع النازحين قد خضعوا للتفتيش والتدقيق بالتنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني. ومع ذلك، أقر بوجود صعوبة شبه مستحيلة في معرفة ما إذا كان بعضهم على علاقة بحزب الله أم لا. وأوضح قائلاً: "ثلاثة أرباع النازحين هنا لا يوجد بينهم شباب، لكن يظل القلق موجود بشأن من قد يزورهم ليلاً".في منطقة المنصورية، شهد مبنى سنتر يزبك 15 احتجاجات من بعض سكانه، الذين أقدموا على إغلاق مدخل المبنى بسياراتهم، اعتراضًا على إصرار صاحب المستودع المجاور على تأجيره لأحد المواطنين لتخزين بضاعة فيه. هذا التصعيد جاء نتيجة مخاوف الأهالي من طبيعة البضاعة المخزنة والقلق حول إمكانية أن تشكل خطرًا على سلامتهم.وفي اتصال مع رئيس بلدية المنصورية، وليم فريد، أوضح أن البلدية تعاملت مع الوضع بحذر واهتمام، حيث طلبت من مخابرات الجيش اللبناني التدخل وتفتيش البضاعة قبل إدخالها إلى المستودع. وقال فريد: "لن نسمح بإدخال البضاعة إلى المستودع إلا بعد التحقق الكامل من محتوياتها، حرصاً على سلامة المواطنين وتطمينهم".وأشار فريد إلى أن البلدية شددت في الفترة الأخيرة على ضرورة معرفة هوية كل من يستأجر أو يستضيف في المنطقة، وأكد أن البلدية لن تتوانى عن اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أي شخص لا يقوم بالإفصاح عن هذه المعلومات، في إطار جهودها للحفاظ على الأمن والسلامة العامة.وبرر رئيس بلدية داريا (كسروان) وليد صفير، موقف البلدية حيال الوضع الراهن قائلاً: "منطقتنا هادئة بشكل عام، لكن حالة من الخوف تسود بين أبناء البلدة، خاصة بعد استهداف منطقة زغرتا في الهجمات الأخيرة." وأوضح صفير أن الأهالي يطالبون البلدية باتخاذ إجراءات لترحيل بعض النازحين، خوفاً من أن يكون بينهم أفراد مستهدفين أو على صلة بحزب الله. ويضيف على لسان الأهالي أن: "الأهالي ليسوا ضدهم، لكنهم قلقون على سلامتهم وأمنهم الشخصي".ومع ذلك، أكد صفير أن البلدية لا تملك الحق القانوني في مطالبة أحد بالمغادرة، خاصة أن النازحين ليسوا في مراكز إيواء بل يعيشون كمستأجرين أو ضيوف لدى سكان البلدة. وأوضح أن البلدية اتخذت كافة الإجراءات اللازمة من خلال تسجيل جميع الأسماء والتنسيق المستمر مع مخابرات الجيش اللبناني لضمان الأمن.وتابع صفير قائلاً: "لا يحق لنا منع النازحين من استقبال زوار، فهذا قد يؤدي إلى إثارة النعرات الطائفية، ونحن نسعى جاهدين لتجنب ذلك. لكننا نطمئن الأهالي بأننا نحرص على متابعة الوضع عن كثب واتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان سلامة الجميع".